صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/39

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

والأقلام ، وكان يقول : انه يخشى من أربعـة أقلام ما ليس يخشاه من عشرة آلاف حسام .. والنبي عليه السلام كان أعرف الناس بفعل الدعوة في كسب المعارك وتغليب المقاصد ، فكان يبلغه عن بعض أفراد أنهـم يغفرون الذمة1 التي عاهدوا عليها، ويشهرون به و بالاسلام أو يثيرون العشائر لقتاله ويقذعون2 في هجوه3 وهجو دينه ، فينفذ اليهم من يحاربهم في حصونهـم أو يتكفل له بالخلاص منهم ..

* * *

وعاب هذا بعض المغرضين من الكتَّاب الأوروبيين وشبهوه بما عيب على نابليون من اختطاف الدوق دانجان وما قيل عن محاولته أن يختطف الشاعر الانجليزي كولردج الذي كان يخوض في ذمِّه ويستهوي الأسماع بسحر حديثه. الا أن الفارق عظيم بين الحالتين ، لأن حروب الاسلام انما هي حروب دعوة أو حروب عقيدة ، وانما هي في مصدرها وغايتها كفاح بين التوحيد والشرك ، أو بين الالهية والوثنية ، وليس وقوف الجيش أمام الجيش الا سبيلا من سبل الصراع في هذا الميدان.

فليس في حالة سلم مع النبي اذن من يحاربه في صميم الدعوة الدينية ، ويقصده بالطعن في لباب 4 رسالته الاسلامية ، وان لم ينفر الناس لقتاله ولم يحرضهم على النكث بعهده ، وانما هو مقاتل في الميدان الأصيل ينتظر من أعدائه ما ينتظره المقاتل من المقاتلين ، ولا سيما اذا كانت الحرب قائمة دائمة لا تنقطع فترة الا ريثما تعود.

أما نابليون فالحرب بينه و بين أعدائه حرب جيوش وسلاح، فلا يجوز له أن يقتل أحدا لا يحمل السلاح في وجهه ، أو لا يدينه القانون بما يستوجب ازهاق حياته . وما نهض نابليون لنشر دين أو تفنيد5 دين ، ولا كان للرسول الاسلامي من غرض لو جاز له أن يقبل المسالمة ممن يحاربونه في دينه و ان لم يشهروا


  1. ينقضون العهد ويغدرون
  2. أقذعه: رماه بالفحش وشتمه
  3. ذمه
  4. لب الشيء ولبابه : خالصه
  5. التفنيد: اللوم وتضعيف الرأي
٣٩