صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/29

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.


عبقرية محمد العسكرية


حروب دفاع

قلنا في الفصل السابق إن الاسلام لم ينجح لأنه دين قتال كما يردد أعداؤه المغرضون، ولكنه نجح لأنه دعوة لازمة يقوم بها داع موفق، وليس بين أسباب نجاحه سبب واحد يصعب فهمه على هذا الاعتبار.

ونريد في هذا الفصل أن نقول: إن محمدا كان على اجتنابه العدوان يحسن من فنون الحرب ما لم يكن يحسنه المعتدون عليه، وإنه لم يجتنب الهجوم والمبادأة بالقتال لعجز أو خوف مما يجهله ولا يجيده .. ولكنه اجتنبه لأنه نظر إلى الحرب نظرته إلى ضرورة بغيضة، يلجأ إليها ولا حيلة له في اجتنابها، ويجتنبها حيثما تيسرت له الحيلة الناجحة.

وقبل ذلك ينبغي أن نستحضر في الذهن بعض الحقائق التي تظهر لنا الاختلاف بين الدين الإسلامي والأديان الأخرى في مسألة القتال، لنثبت أن للإسلام شأنا في اجتناب القوة كشأن كل دين، وأنه ما كان لينتصر بالقوة لو لم يكن إلى جانب ذلك صالحا للانتصار، وأن الأديان الأخرى ما كانت لتحجم1 عن عمل أقدم عليه النبي لو كانت دعوتها كدعوته، وكانت أسبابها كأسبابه.

* * *

فالحقيقة الأولى، أن مطعن القائلين بأن الإسلام دين قتال إنما يصدق — لو صدق — في بداءة عهد الإسلام كما أسلفنا يوم دان بهذا الدين كثير من العرب المشركين، ولولاهم لما كان له جند ولا حمل في سبيله سلاح..


  1. أي تكف
٢٩