صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/30

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.

لكن الواقع أن الإسلام في بداءة عهده كان هو المعتدى عليه. ولم يكن من قِبَله اعتداء على أحد .. وظل كذلك حتى بعد تلبية الدعوة المحمدية واجتماع القول حول النبي عليه السلام، فإنهم كانوا يقاتلون من قاتلهم ولا يزيدون على ذلك: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ الله لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.

وقد صبر المسلمون على المشركين حتى أُمِروا أن يقاتلوهم كافة كما يقاتلون المسلمين كافة، فلم يكن لهم قط عدوان ولا إكراه.

وحروب النبي عليه السلام كما أسلفنا كانت كلها حروب دفاع، ولم تكن منها حرب هجوم إلا على سبيل المبادرة بالدفاع بعد الإيقان1 من نكث2 العهد، والإصرار على القتال، وتستوي في ذلك حروبه مع قريش وحروبه مع اليهود أو مع الروم .. ففي غزوة تبوك عاد الجيش الإسلامي أدراجه3 بعد أن أيقن بانصراف الروم عن القتال في تلك السنة، وكان قد سرى4 إلى النبي نبأ أنهم يعبئون جيوشهم على حدود البلاد العربية فلما عدلوا عدل الجيش الإسلامي عن الغزوة على فرط ما تكلف من الجهد والنفقة في تجهيزه وسفره.

والحقيقة الثانية: أن الإسلام إنما يعاب عليه أن يحارب بالسيف فكرة يمكن أن تحارب بالبرهان والإقناع.

ولكن لا يعاب عليه أن يحارب بالسيف «سلطة» تقف في طريقه، وتحول بينه وبين أسماع المستعدين للإصغاء إليه.

لأن السلطة تُزال بالسلطة، ولا غنى في إخضاعها عن القوة .

ولم يكن سادة قريش أصحاب فكرة يعارضون بها العقيدة الإسلامية، وإنما كانوا أصحاب سيادة موروثة وتقاليد لازمة لحفظ تلك السيادة في الأبناء بعد الآباء، وفي الأعقاب5 بعد الأسلاف6 .. وكل حجتهم التي يذودون7 بها عن تلك التقاليد أنهم وجدوا آباءهم عليها، وأن زوالها يُزيل ما لهم من سطوة الحكم والجاه.

وقصد النبي بالدعوة عظماء الأمم وملوكها وأمراءها، لأنهم


  1. التيقن والتأكد
  2. نقض
  3. من حيث اتى
  4. أي انتقل اليه وبلغه
  5. الخلف
  6. الآباء المتقدمين
  7. پدافعون
٣٠