صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/22

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.

الوسامة والثقة

وكانت له مع الفصاحة 1 صباحة ودماثة 2 تحببانه الى كل من رآه، وتجمعان اليه قلوب من عاشروه، وهي صفة لم يختلف فيها صديق ولا عدو، ولم ينقل عن أحد من أقطاب الدنيا أنه بلغ بهذه الصفة مثل ما بلغه محمد بين الضعفاء والأقوياء على السواء.

وحسبك من حب الضعفاء اياه، أن فتى مستعبدًا يفقد أباه وأسرته — كزيد بن حارثة — ثم يظهر له أبوه بعد طول الغيبة، فيؤثر البقاء مع محمد على الذهاب مع أبيه ..

وأن خادم خديجة رضي الله عنها — ونعني به ميسرة — يقدمه ليبشر سيدته بالربح والتوفيق في تجارته، وهو أولى أن ينفس عليه 3، وأن يدعي لنفسه ما اختصه به من الفضل والتقديم.

وحسبك من حب الأقوياء اياه أنه جمع على محبته أناسا بينهم من التفاوت في المزاج والخصال ما بين أبي بكر وعمر وعثمان وخالد وأبي عبيدة، وهم جميعا من عظماء الرجال.

ولكن الرجل قد يكون صبيحا دمثا محبوبا، ولا يكون له من ثقة الناس وائتمانهم إياه نصيب كبير .. لأن الرجل المحبوب غير الرجل الموثوق به، وإذا اتفقت الخصلتان حينا فمن الجائز أن تفترقا حينا آخر، لأنهما في عنصر الخصال لا تتلازمان.

أما محمد فقد كان جامعا للمحبة والثقة كأفضل ما تجمعان، وكان مشهورا بصدقه وأمانته كاشتهاره بوسامته وحنانه. وشهد له بالصدق والأمانة أعداؤه ومخالفوه، كما شهد بهما أحبابه وموافقوه، وامتلأ هو من العلم بمنزلته من ثقة القوم، فأحب أن يستعين بها على هدايتهم وترغيبهم في دعوته فكان يسألهم: «أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقونني؟»

فيقولون: «نعم، أنت عندنا غير متهم» .. الا أن الإنسان ينفر مما يصدمه في مألوفاته وموروثاته، ولو صدقه وقام لديه ألف برهان عليه. فلم يكن ما بالقوم أنهم لا يصدقون محمدا ولا يعلمون فيه الشرف والأمانة، وإنما كان بهم أنهم


  1. جمال
  2. سهولة الخلق
  3. يحسده ويحقد عليه
٢٢