صفحة:عبقرية محمد (1941).pdf/21

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.

ولموضوع الكلام .. فيكون الكلام فصيحا وهيئة النطق به غير فصيحة، أو يكون الكلام والنطق به فصيحين، ثم لا تجتمع لموضوعه صفة الفصاحة السارية في الأسماع والقلوب.

أما فصاحة محمد .. فقد تكاملت له في كلامه، وفي هيئة نطقه بكلامه، وفي موضوع كلامه .

فكان أعرب العرب، كما قال عليه السلام: «أنا قرشي واسترضعت في بني سعد بن بكر» .

فله من اللسان العربي أفصحه بهذه النشأة القرشية البدوية الخالصة .. وهذه هي فصاحة الكلام.

ولكن الرجل قد يكون عربيا قرشيا مسترضعا في بني سعد، ويكون نطقه بعد ذلك غير سليم، أو يكون صوته غير محبوب، أو يكون ترتيبه لكلماته غير مأنوس 1 .. فيتاح له الكلام الجميل ثم يعوزه 2 النطق الجميل.

أما محمد فقد كان جمال فصاحته في نطقه كجمال فصاحته في كلامه، وخير من وصفه بذلك — عائشة رضي الله عنها — حيث قالت: « ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد 3 كسردكم هذا، ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن فصل، يحفظه من جلس إليه» . واتفقت الروايات على تنزيه نطقه من عيوب الحروف ومخارجها، وقدرته على ايقاعها في أحسن مواقعها .. فهو صاحب كلام سليم في منطق سليم ..

ولكن الرجل قد يكون عربيا قرشيا مسترضعا في بني سعد، ويكون سليما في كلامه سليما في نطقه .. ثم لا يقول شيئا يستحق أن يستمع إليه السامع في موضوعه.

فهذا أيضا قد تنزه عنه الرسول في فصاحته السائغة 4 من شتى نواحيها .. فما من حديث له حفظه لنا الرواة الثقات إلا وهو دليل صادق على أنه قد أوتي حقا «جوامع الكلم»، ورزق من فصاحة الموضوع كفاء5 ما رزق من فصاحة اللسان وفصاحة الكلام .


  1. المراد : محبوب
  2. العوز، الفقر والحاجة
  3. المراد، كثرة الكلام في التعبير عن المعنى
  4. السهلة المقبولة
  5. أي قدر
٢١