صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/72

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

مع ذلك لم يُصِرَّ على أمره، ولم يعاود طلب الورق للكتابة، وإنما قال حين كثر اللغط بين الصحابة: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع. ثم عاش عليه السلام أيامًا ولم يذكر الكتاب.

فالرجل يطيع إذا استقام الأمر، واستقرت التبعة.

وكان يراجع إذا اتسع مجال المراجعة.

فإن لم يكن هذا ولا ذاك، فهو ضليع بالتبعة التي توجبها عليه نفسه، وقمين أن يذهب إليها ولا ينكل عنها. وتلك سُنَّة جرى عليها عمر عن علم وقصد، ولم يجر عليها عن بداهة وإلهام وكفى، وأشار إليها في كلامه غير مرة، فقال في خطبة من خطبه ما فحواه:

… كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عبده وخادمه وجلوازه،١٩ وكان كما قال الله تعالى: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ. وكنت بين يديه كالسيف المسلول، إلا أن يغمدني أو ينهاني عن أمر فأكف عنه، وإلا أقدمت على الناس لما كان أمره.

فهو جلواز النبي، وسيفه المسلول، كما وصف نفسه.

وهو على أقوم مثال للجندي الفاضل العليم بموقع الطاعة، وموقع المراجعة، وموقع المشاورة، وهو مع التبعة حيث لا مهرب منها، وتلك هي الجندية في صورتها المثلى.

وما نحسبه كان يراجع ويشاور إلا لغرض واحد، وهو الوصول إلى الأمر الذي يحمل التبعة فيه.

فإذا أعفى نفسه من التبعة بمراجعة رؤسائه، وأعفى نفسه من التبعة بمشاورة مرءوسيه، فقد عرف كيف ينبغي أن يطيع، وعرف كيف ينبغي أن يطاع، وعرف ما يتوق كل جندي أن يعرفه، حين يؤمر وحين يأمر، وهو توضيح ما يطلب منه، وما يطلب من غيره، وتقرير مكان التبعات حين تقسم التبعات.

ولقد كانت له مخالفات، ليست من قبيل المراجعة ولا المشاورة التي


1) الصوت والجلبة (۲) أي قوي وقادر (۳) خلیق وجدير (4) يقال : ثكل عن العدو : أي جبن . (5) الجواز بكسر الجيم : الشرطي (6) تافت نفسه إلى الشيء : اشتاقت اليه