تعمل فيها الروية عملها، أو تختلف مذاهب الآراء فيها.
كانت هذه أيضًا من مخالفات «الجندي» التي يندفع إليها كُلَّما غلبته الحماسة، وثارت به الحمية١.
فلما كان يومُ أحد، جاء أبو سفيان ينادي على مَسْمع من المسلمين: أفيكم محمد؟ فقال رسول الله: لا تجيبوه!
فعاد ينادي مرتين: أفيكم محمدٌ؟ فلم يجيبوه!
فسأل ثلاثًا: أفيكم ابن أبي قحافة؟ فسكتوا …
ثم سأل: أفيكم ابن الخطاب؟ وكررها ثلاثًا، فلما لم يسمع جوابًا، قال لقومه: أمَّا هؤلاء فقد كفيتموهم.
كثير على عمر أن يحتوي صبره في هذا الموقف أكثر مما احتواه، فما قالها أبو سفيان حتى صاح من مكانه: «كفرت يا عدو الله، ها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وأنا أحياء! ولك منا يوم سوء.»
هذه مخالفة لا مراجعة فيها ولا مشاورة.
لكنها من مخالفات الجند، ولهم ولا شك مخالفات، كما لهم طاعات.
•••
نعم كانت لهم مخالفاتهم وطاعاتهم، وكانت لهم كذلك فكاهاتهم وأهواؤهم التي هي أخص من سائر الفكاهات والأهواء.
فكانت تعجبه الفكاهة التي توحي إليه معنى مضحكًا فيه صراحة وخشونة، ومنها الفكاهة التي نُسميها اليوم «بالنكات العملية».
فرغ رسول الله يومًا من بيعة الرجال، وأخذ في بيعة النساء، فاجتمع إليه نساء من قريش فيهن هند بنت عتبة متنقبة٢ متنكرة، لما كان من صنيعها بحمزة رضي الله عنه فهي تخاف أن يأخذها رسول الله بصنيعها، فلما دنون منه ليبايعنه قال عليه السلام: تبايعنني على ألا تشركن بالله شيئًا.