صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/59

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٥١
الفصل الثالث

الآنية وحينما تمَّ شيُّها وأُخرجت من الأتون كان الدهان ذائباً عليها حسب بغيتهِ إلَّا أنهُ كان مخمشاً ومشققاً مما لحقهُ من الصوان فخسر تعب ستة أشهر لكنَّ الناس أقبلوا عليه راغبين في ابتياعها فلم يبعهم إياها زاعماً أنَّ ذلك يثلِم صيتهُ.

ومما قالهُ في وصف حالته حينئذٍ الكلام الآتي: «إني مع كل ما ألمَّ بي لم يزل رجائي قويّاً وأملي وطيداً أبشُّ في وجوه الناس إذا زاروني وأطايبهم في الكلام وقلبي ملآن كآبة وغمّاً. وأصعب ما قاسيتُ تهكم أهل بيتي عليَّ وازدراؤهم بي. وكانت أُتني مكشوفة سنوات عديدة وأنا واقف أمامها تحت رحمة العواصف والأمطار بلا معين ولا مسلٍّ سوى مواءِ القطاط وهرير الكلاب حتى إذا ثارت الزوابع وتعذر على القيام أمامها هرولت إلى بيتي مبللًا بالأمطار ملطخاً بالأوحال مترنحاً من النعاس ترنح السكران فلا أرى فيهِ غير الملامة والتعيير. وإني حتى الساعة لأعجب من بقائي حيّاً مع كلِّ ما قاسيت.»

ويقال إنه أصيب حينئذٍ بمالنخوليا شديدة فهام على وجههِ في القفار القريبة من سنت بثياب أخلاقٍ كأنهُ هيكل من عظام وما زال أهلهُ وجيرانه يعيِّرونهُ ويستهزئون بهِ حتى رجع إلى صناعته الأولى ولازمها بجدٍّ نحو سنة من الزمان فأصلح شأنهُ وسكَّت عنهُ ألسنة الناس. ثم عاد إلى دهن الخزف ولم يزل يجرب فيهِ ويمتحن حتى أتقنهُ غاية الإتقان في مدة ثماني سنوات بعد أنْ أضاع في اكتشافه عشر سنوات. وبرع فيه بكثرة المزاولة والاختبار جامعاً ثمار المعرفة من فيافي الفشل. فتعلَّم في مدرسة الاختبار ماهية الدهان والأتربة الصالحه لهُ وكيفية بناءِ الأُتُن. وبعد أنْ مضى عليه ست عشرة سنة يتعلم في مدرسة الاختبار اجترأ أنْ يدعو نفسه خزافاً وصار يبيع مصنوعاتهِ بقيمتها ويعول عائلتهُ بالسّعة. ولكنهُ لم يكتف بما وجدهُ ولم يفتُر عن بذل الهمة في تحسين هذه الصناعة وإيصالها إلى أسمى درجاتها.