الجارات قائلة هَلْمُمْنَ لمعونتي على هذا المجنون. وهاك كلام بالسي نفسه وهو مأخوذ من الصفحة ٣١٥ من الكتاب المدعو أعمال بالسي في صناعة الخزف المطبوع في باريز سنة ١٨٤٤، قال:
«وإذ أعوزني الوقيد اضطررت أنْ أحرق سياج جنينتي ثم موائد بيتي وكنت في ضيقة لا أستطيع وصفها من شدة ما اعتراني من التعب وحرارة الأتون. ومضى عليَّ شهر لم يجف قميصي فيهِ. وعوضاً عن أن أُعزَّى كنت أعيَّر حتى إنَّ الذين كان يجب عليهم أنْ يساعدوني كانوا يجولون في المدينة ويقولون إنهُ أحرق أثاث بيتهِ. فثلموا صيتي وحمَّقوني في عيون القوم. وقد اتهمني البعض بسك النقود الزائفة فآلمني ذلك كثيراً حتى كنت إذا مشيت في الشوارع أمشي مطرق الرأس كمن ارتكب نقيصة .... ولم يُعنِّي أحد من الذين حولي بل استهزءوا بي، قائلين: لا بأس إذا مات جوعاً فإنه أهمل صناعتهُ. وكنت أسمع هذه الأقوال وأنا مارٌّ في الشوارع.»
ومع كلِّ ذلك لم ينثنِ عن عزمهِ بل دام على هذه الحال عدة أشهر إلى أنْ أخذ التعب والأرَق منهُ كلَّ مأخذ وكاد يهلك جوعاً. وحينئذٍ ذاب الدهان فأخرج الآنية سنجابية اللون وتركها حتى بردت فإذا بها مكسوَّة قشرة زجاجية بيضاء فصدق فيه المثل القائل: من تأنَّى نال ما تمنَّى.
فاستأجر حينئذٍ فخاريًّا ليصنع لهُ آنية خزفية بحسب إرشادهِ وصنع بيدهِ أشكالاً من الخزف قاصداً أنْ يدهنها بالدهان الذي اكتشفهُ فبقي عليهِ أنْ يجد من يعولهُ هو وعائلتهُ ريثما تشوى الآنية وتباع. ولحسن الاتفاق بقي لهُ في سنت صديق يعتقد باستقامتهِ ولو لم يعتقد بسداد رأيهِ وهو صاحب فندق فاتفق معهُ على أنْ يعولهُ ستة أشهر. وأمَّا الفخاري الذي استأجره فأعطاهُ بعض ثيابهِ بدلًا عن أجرتهِ. فعرَّى جسدهُ من الثياب كما عرَّى بيته من الأثاث.
ثم بنى أتوناً على شكل منتظم ولسوءِ حظَّهِ بطَّن جانباً منهُ بحجارة صوانية فحالما أضرم النار فيهِ تشظَّى الصوان وطارت شظاياهُ إلى