فتح الأتون وجد الدهان ذائباً على واحدة منها فقط لما بردت أبيض صقيلًا لامعاً جميلًا فحملها وهرول إلى بيتهِ وهو يكاد يطير فرحاً وأراها لزوجتهِ ولكن لم يكن ذلك الدهانُ الدهانَ الحقيقي بل واسطة لإثارة رغبته وتحميله مشقات يعجز القلم عن وصفها. لأنه لما رأى نجاحه هذه المرة بنى لنفسه أتون زجاج بجانب بيتهِ لكي يجري امتحاناته سرّاً فيهِ. وقضى على عملهِ نحو ثمانية أشهر لأنهُ كان يعمل فيهِ وحدهُ ولم يستخدم إنساناً ولا بهيمةً. ولما أتمهُ عمل آنية خزف بيدهِ وشواها ودهنها بالمركَّبات التي ظن أنها تأتي بالمطلوب ووضعها في الأتون وأضرم النار النهار بطولهِ ولم يذب شيءٌ من الدهان فأحيا الليل كلهُ وهو يوقد ولكن على غير نتيجة. فأتتهُ زوجتهُ في الصباح بشيءِ من الطعام لأنهُ لم يمكنه أنْ يفارق الأتون. ثم مرَّ اليوم الثاني ولم يذب شيء من الدهان وخيَّم الظلام ومضى الليل وأشرقت الشمس ولم يذب منه شيءٌ ومرَّ اليوم الثالث والرابع والخامس والسادس مع لياليها ولكن على غير نتيجة.
فمن يقدر أنْ يصف مقدار التعب الذي كابدهُ هذا الرجل في تلك الأيام الطويلة. فقال لا بُدَّ من نقصٍ في هذه المركبات التي دهنت الخزف بها فأخذ يركب غيرها لكي يمتحن امتحاناً آخر فمضى عليهِ ثلاثة أسابيع وهو يسحق ويمزج ويركب. وبقي عليهِ أنْ يجلب آنية أخرى لأن الآنية الأولى التي عملها بيدهِ تلفت من تواصل النار عليها وقد نفد كلُّ ما معه من النقود. فاستعار من صاحب لهُ مبلغاً من المال واشترى بهِ آنية ووقوداً ودهن الآنية بالمركَّبات الجديدة ورتبها في الأتون وأضرم النار فنفد الوقود الذي اشتراهُ ولم يذب الدهان. فنزع سياج جنينتهِ وأوقدهُ ولكن على غير فائدة فلم يبقَ أمامهُ شيءٌ يقبل الاشتعال إلَّا أثاث بيتهِ فنزع الرفوف وكسرها هي والموائد والكراسي وأطعمها النار فصرخت امرأتهُ بالويل والحَرَب ونادت