الخرج ومن ثَمَّ وطَّن نفسه على اصطناع آلة لعمل الخرج. وكانت آلة الجوارب قد أُصلحت حتى صار يمكن أنْ يصنع بها خرج منقط عراه معكوفة كعرى الجوارب لكنه كان سريع العطب كثير الإفلات وبالتالي غير مرضيٍّ فاجتهد كثيرون من صنَّاع نوتنهام في اختراع آلة تثني العرى بعضها على بعض كما في عمل الشبكة فذهب تعبهم سدًى ومنهم من أنفق كل أموالهِ ومات فقيراً أو جُنَّ وهام على وجههِ.
ولما ناهز هثكوت الحادية والعشرين مضى إلى نوتنهام وكان يعمل فيها الأنوال فاحترم كثيراً لأجل مهارته وذكائه وكان لم يزل عاقداً قلبه على عمل آلة تثني العُرى فتعلَّم عمل خرج بكنهام الذي كان يصنع على المخدة قاصداً أنْ يصنع آلة تحبك خرجاً مثلهُ. وكان هذا العمل صعباً مملاً يقتضي مزاولة كثيرة وحذاقة شديدة إلَّا أنهُ صبر وتأنَّى فنال ما تمنَّى. وقد وصفهُ معلمه بقوله: إنهُ رجل صبور مواظب منكر نفسهُ كثير الصمت شديد الأمل يثق كلَّ الثقة أنَّ أتعابه ستكلل بالنجاح وقد تكلَّلت وصنع آلة لعمل الخرج يعجز القلم عن وصفها وأُجيز لهُ بها وعمرهُ أربع وعشرون سنة.
ولم تكن امرأته أقل اهتماماً منه في إتمام هذه الآلة فقالت له ذات ليلة بعد أنْ تعب فيها أشهراً وأعواماً: هل صارت تشتغل فقال: لا بل يجب أنْ أفككها وأركبها ثانيةً فلم تقدر أنْ تضبط نفسها عن البكاءِ ولكنه أتاها بعد أسابيع قلائل وبيده قطعة من الخرج صنعها بها. وقد أصاب هذا الرجل ما أصاب أكثر المخترعين؛ أي إنهُ لم يُعتَرف له بأولية الاختراع، ولم يعطَ إمتيازاً بها إلَّا بعد المحاكمة وصدور الحكم لهُ. قيل إنَّ السر جون كبلي الذي حامى عنهُ رأى أنهُ يلزم لهُ أنْ يعرف كيفية تركيب هذه الآلة والعمل بها لكي يمكنهُ أنْ يدافع عنهُ فركب إلى نوتنهام حيث كانت الآلة ونزل في النول ولم يخرج حتى عرف وظيفة كلِّ جزء من أجزائها وتعلَّم العمل بها ثم رجع إلى المحكمة