المدرسة وهو فتى حديث السن لم يكن لهُ من الثياب ما يستر عريهُ ولكن أمارات الذكاء كانت تلوح على وجههِ فكان معلمهُ يقول لهُ عندما يريد مدحهُ على اجتهادهِ: «نعمَّا يا ولدي واظب على ما أنت فيه من الاجتهاد فتلبس يوماً ما ثياباً حسنة مثل ثياب خفير الكنيسة». وزار تلك المدرسة أحد الصيادلة فأعجبتهُ فاعجبته قوة ذراعيهِ فأخذهُ واستخدمهُ لسحق العقاقير ولكنهُ منعهُ من الذهاب إلى المدرسة فتركهُ ڤوكولين وتوجَّه إلى باريز ولما وصل إليها أخذ يعرض نفسهُ على الصيادلة خادماً فلم يجد من يستخدمهُ. ولكثرة ما ألمَّ بهِ من التعب والجوع أُصيب بمرض فأخذه بعض أهل الشفقة إلى أحد المستشفيات حيث ظن أنهُ يقضي نحبهُ ولكنَّ العناية كانت معدة لهُ شيئاً آخر فلم يمضِ عليهِ إلَّا وقت قصير حتى شُفي من مرضهِ فرجع إلى ما كان عليهِ من التفتيش عن مكان يخدم فيهِ فوجد مكاناً عند أحد الصيادلة. وبعد برهة يسيرة عرف بهِ فركروي الكيماوي الشهير فضمهُ إليهِ وبالغ في إكرامهِ حتى جعله كاتباً لهُ ولما مات ذلك الكيماوي الفيلسوف خلفه ڤوكولين في تدريس الكيمياء. وسنة ١٨٢٩ انتخبتهُ مقاطعة كلڤادو نائباً لها في مجلس النواب.
وليس في البلاد الإنكليزية أناس ارتقوا من أدنى مراتب الجند إلى أعلاها كما شاع في فرنسا بعد الثورة فإن هُش وأُمبر وبشغرو كانوا من عامة الجند فكان هش يطرز الصدرات ويبتاع بما يكسبهُ كتباً في علم الحرب. وأمبر هرب من بيت أبيهِ وهو في السادسة عشرة ودخل في خدمة تاجر ثم في خدمة عامل ثم في خدمة بائع جلود أرانب ثم تطوَّع جنديّاً ولم يمضِ عليهِ سنة من الزمان حتى صار قائد لواء. وقس عليهم كلابر ولفاڤر وسوشي وڤكتور ولان وسُلت وماسنا وسان سير ودرلون ومورا وأوجرو وبسير وناي وغيرهم ممن نشأوا من أدنى الرتب وارتقوا إلى أسماها. فمنهم من كان ارتقاؤه سريعاً.