صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/50

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ٤٤ -

خارج فرنسا. وبعضهن من روسيا وألمانيا وغيرهما. ويندر بينهن القادمة إلى باريس بقصد العهارة. وإنما يفد أكثرهن إليها للارتزاق ببعض المهن فيتعرضن للوقوع في تلك الفخاخ ويعينهن الفقر على الوقوع فيها لأن البائعة في مخزن أجرتها فرنكان أو ثلاثة في اليوم تنفقها على الطعام واللباس والمنام يقع نظرها كل يوم على عشرات من شبيهاتها في الخلقة وأقل منها جمالاً وكل منهن قد تأبط زندها شاب كساها أحسن الأقمشة وزينها بأجمل الحلي. فإذا قويت هذه البائعة المسكينة على محاربة الحسد فإنها لا تقوى على مدافعة من يتعرض لها من أولئك الشبان الذين يغرونها بالمواعيد العريضة. ويتحببون إليها بإطراء جمالها وشكوى الغرام وغير ذلك فتقع في الشراك ولا يعاشرها ذلك المغرم إلا مدة ثم ينتقل إلى سواها فتصبح غير قادرة على العمل في مهنتها الأولى ويهون عليها الارتزاق من أمثال ذلك الشاب. واعتبر كيف تكون حالها متى ذهب شبابها وذوى جمالها!

فالعلة الأصلية في شيوع التهتك بباريس إنما هو إطلاق سراح الفتاة ومساواتها للرجل وتكليفها الارتزاق مثله وإباحة الحكومة للفحشاء رسمياً. وزد على ذلك أن الفتور الديني شائع في فرنسا حتى أصبح شبانها يُعدُّون العهارة ضربًا من التجارة ولا فرق عندهم بين الفحشاء والتمتع بسائر ملاذ الحياة كالطعام والشراب والسماع ونحوها. فيغرون المرأة على ذلك فتطيعهم. وليس أقبح من فتور