صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/43

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ٣٧ -

المنازل والقهوات حتى مساحي الأحذية يطالعون الجرائد والكتب ويهتمون بالشؤون العامة ويبحثون في السياسة ويتناقشون في التعليم والأحزاب وينتقدون أعمال الحكومة والسبب في ذلك «حقوق» فإنه عام في كل بلدة وقرية فتنبهت الأذهان وتفتحت الأعين وتعلم العامي معنى الاجتماع والاتحاد وخصوصاً بعد الانقلاب الذي جعل كل شيء في أيدي العامة لأنهم قلبوا الحكومة واستبدوا في الشرفاء والأمراء. فتشكلت الأحزاب من العامة وارتقت نفوسهم ورافق ذلك كثرة الاختراعات الصناعية التي أغنت أصحاب الأموال (الخاصة) عن كثير من العمال فتضايق العمال وهم من العامة واضطروا إلى الاجتماع والاحتجاج والمطالبة وهو الاعتصاب وساعدهم على ذلك شيوع مذهب الاشتراكية واحتياج النواب إلى العامة في التصويت عند الانتخابات النيابية وكل نائب يجتهد في اكتساب رضى القوم في البلد الذي ينوب عنه حتى يصوتوا له. فازداد العامة نفوذاً وطمعاً وأكثروا من الاعتصاب حتى أتعبوا أصحاب الأموال وحملوهم خسائر عاد معظمها على الجمهور لأنها آلت إلى ارتفاع الأسعار.

فالحرية التي نالها العامي الفرنساوي صانت حقوقه من جهة لكنها أضرت به وبالأمة من جهة أخرى. لأن العامي مهما بلغ من ارتقائه لا يبرح قصير الإدراك وإنما يتدرب على الاجتماع والصياح مع الصائحين فينحاز إلى هذا الحزب أو ذاك لا عن تفطن