صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/24

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ٢٠ -
المركبات العامة

وقد استلفت نظرنا على الخصوص أن باريس مع تزاحم الأقدام فيها لا يتنازع الركاب في المسابقة إلى الترامواي أو الأومنوبيس ولا يسمح لأحد بالوقوف بين الركاب إذا لم يكن له مجلس فارغ. ولا يجسر أحد على الركوب في غير دوره. لا يختلفون في ذلك ولا سبيل إلى الاختلاف لأن عند كل موقف من مواقف هذه المركبات لوحاً معلقاً بعمود منصوب على الرصيف وعليه دفتر صغير الحجم أوراقه منمرة نمراً متسلسلة فالذي يسبق إلى الموقف يقتطع النمرة الأولى ومَن يأتي بعده يتناول النمرة التالية وهكذا. وقد يجتمع في الموقف عشرات من الناس وربما جاء القطار وليس فيه مكان إلا لخمسة أو ستة فلا يؤذن بالدخول إلا لمن كانت عندهم النمر الأولى بقطع النظر عن أحوالهم من الغنى أو الفقر أو الوجاهة.

ومثل هذه العادة في لندن عند تكاثر الركاب ساعة الظهر لركوب الترامواي. فقد جعلوا في المحطات التي يكثر التزاحم عندها موقفاً مستطيلًا لا يدخله الناس إلا أزواجاً. أوله عند محطة القطر وآخره في الشارع لا حدّ له. فالواصل الأول يقف قرب المحطة تماماً والذي يأتي بعده يقف وراءه وهكذا أزواجاً. وقد يتألف من الواقفين سلسلة طولها عشرات من الأمتار وكل منهم ينتظر دوره بلا نزاع ولا خصام. ويفعلون نحو ذلك في كل ما تتزاحم فيه الأقدام كالدخول إلى المراسح أو قطع تذاكرها.