صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/23

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ١٩ -

من مصر لا يجد فيها ما يدهشه من حيث ظواهر المدنية الحديثة كالشوارع الواسعة والأبنية الفخيمة والأنوار الكهربائية وازدحام الأقدام والبذخ في الألبسة والتفنن في الأزياء لأن في مصر أمثلة من ذلك لكنها في باريس أفخم وأجمل. ولا غرو فإن حضارة مصر الحديثة صورة مصغرة من حضارة باريس. والمرحوم إسماعيل باشا صاحب الفضل الأكبر في تنظيم شوارع القاهرة وإنشاء الأبنية الفخيمة فيها إنما كان يفعل ذلك تقليداً لباريس وكان مفتوناً بالفرنساويين ومدنيتهم. وظل ذلك مستمراً بعده إلى عهد قريب.

فلا ينبغي لنا أن نطيل الكلام في وصف شوارع باريس الكبرى وسعتها وما يحف بها من المخازن وما يعرض في تلك المخازن من السلع الثمينة أو ما يتلألأ في الليل من الأنوار الكهربائية على اختلاف ألوانها. ولا تعداد ضروب المركبات في العربات. فالأوتوموبيل فالترامواي فالأوتوبيس فالأمنيبيس فالمتروبوليتان وغيره - فإن هذه لها أمثلة بين ظهرانينا ولكنها عندهم أكثر عدداً والركاب أكثر ازدحاماً. وإنما تمتاز عما في مصر وغيرها من مدائن الشرق أن السائق لا مطمع له في الركاب ولا سبيل إلى طلب الزيادة عن حقه. لأن المركبات الكبرى العمومية كالترامواي وغيره لها رسوم معينة كما في مصر. والمركبات الصغرى كالعربات والأوتوموبيل أصبحت كلها مقيدة بالعداد (تكسيمتر) وهذه الآلة تعين الأجرة اللازمة وتغني الناس عن النزاع.