صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/152

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ١٢٢ -

وأن تكون لهم الأفضلية من الاعتبارات الأخرى.

فالسطوة التي بلغت إليها الأمة الإنكليزية في هذا العصر تتوقف على أخلاقهم أكثر مما على ذكائهم. إن الأخلاق التي ذكرنا أمثلة منها جعلت أربعين مليون إنكليزي يحكمون نحو ٣٥٠ مليون نفس من أمم شتى في القارات الخمس. وفيهم القوقاسي والمغولي والهندي والزنجي وغيرهم من طبقات الناس يتكلمون عشرات من اللغات المختلفة. إن الإنكليز استطاعوا ذلك بأخلاقهم المتينة وأساسها الثبات والتعويل على الحقيقة وإلا فإن بين الأمم الداخلة في سلطانهم شعوباً لا يقلون عنهم ذكاء ويفوقونهم في كثير من المواهب العقلية وإنما تنقصهم الأخلاق اللازمة للتغلب أو الاستقلال.

١٠ - المدنية الحديثة ومدنية العرب

فالإنكليز من أوضح الأمثلة للأخلاق الملائمة لروح هذه المدينة — وإن كانت لا تلائم المدنيات الأخرى إذ لكل مدنيَّة قواعد تبنى عليها دعائمها ولا تصلح إلا بها فمدنية العرب أساسها مناقب العرب في صدر الإسلام أهمها الأريحية والنجدة والجوار والوفاء والحلم وسعة الصدر وكرم الخلق ونحوها مما لا يلائم المدنية الحديثة. كان الخليفة أو الأمير يعفو أحيانًا عن القاتل لاعتبار قام بنفسه من قول سمعه أو فكر خطر له ويعد ذلك أريحية وكان القوم يتواصون بالعفو عند المقدرة والأخذ بأسباب الكرم يقيمون