صفحة:رحلة جرجي زيدان إلى أوربا.pdf/151

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
- ١٢١ -
٩ - طريقتهم في الاستعمار

وترى الخلق الإنكليزي الأساسي — نعني التعويل على الحقيقة مع الثبات — ظاهراً في طرقهم السياسية كالاستعمار مثلاً فإن لهم فيه طريقة تخالف طرق المستعمرين فهم ينظرون من وراء الاستعمار إلى الفائدة الحقيقية لا يهمهم زخرف السيادة وأبهة الدولة والتفاخر بسعة السلطة بقدر ما تهمهم المصلحة الحقيقية في الاستعمار. وقد وجدوا بعين العقل أن المصلحة الحقيقية من الفتح أو الاحتلال إنما هي المرافق الاقتصادية أو المالية فيوجهون سعيهم إليها ولا يهمهم بعدها أن تكون لهم سيادة إن لم يكن الغرض منها المنفعة الاقتصادية ومن ثباتهم وطول أناتهم صبرهم على استثمار مطامعهم الاستعمارية أعواماً متطاولة ترسخ في أثنائها أقدامهم أو تسنح لهم فرص يغتنمونها ويؤيدون بها حقوقهم.

ولهذا السبب رأيتهم لا يتعجَّلون وضع الحماية أو إعلان السيادة بل بعكس ذلك يتساهلون مع مستعمراتهم في الاستقلال الإداري حتى لا يبقى فرق يذكر بينه وبين الاستقلال الحقيقي ويهمهم من البلد الداخل في حيازتهم أو تحت نفوذهم أن تكون مصالحهم المادية رائجة فيه ولا يبالون أن يجيئهم ذلك بطريق الاحتلال أو الحماية أو الاستعمار. وعلى هذا المبدأ حلوا قيود أوستراليا وكندا والترانسفال وغيرها. ولا نرى مانعاً من أن يفعلوا ذلك في الهند وغيرها إذا تحققوا ضمان مصالحهم الاقتصادية وبقاء علائقهم الودية