صفحة:حياتنا بعد الخمسين- سلامة موسى- 1944.djvu/21

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

ثم يتقدم الهرم فينسى ما جرى قبل عشرين سنة، ولكنه يذكر حوادث الطفولة . والسبب هنـا واضح . فإن ما غرس من الذكريات أيام الطفولة وجد لوحاً طريا نقش فيه ورسخ ، فهو لا ينمحى . وهذا اللوح قد قسى أيام الشباب ولكنه لم يجمد . فالذكريات أقل وضوحاً فيه . حتى إذا تقدم تصلب الشرايين وتجمدت الأعضاء صارت الذكريات لا تحدث أثراً في الأعضاء ، ولذلك سرعان ما تنمحى. وهـذا ما يحدث في الهرم

وعلينا أن نتوقى الهرم كما نتوقى الموت . أي يجب أن نموت في الشيخوخة التي لا تزال تحتفظ بالكثير من خصائص الشباب ، وذلك بالمحافظة على مرونة الأعضاء ولدونة الشرايين . ويسهل هذا علينا حتى مع الإهمال العظيم قبل الخمسين ، وذلك بتجنب الأطعمة التي تحدث رواسب الأحماض ، وبالمحافظة على النحافة ، وبالرياضة الخفيفة . وشر ما يعجل الهرم هو النهم . وربما يحتاج معظم الناس بعد الخمسين إلى تجنب الشحوم جميعها مع الإعتدال في كل شيء آخر . ولكن هذا الإعتدال يجب ألا يصل إلى الزهد والكف . فإن الجسم والذهن كليهما يحتاج إلى الإنتعاش . والكف التام يميت ولا يحيى . فالمسن في الستين أو السبعين ينتفع بالانتعاش الجنسي كما ينتفع بكأس من الخمر . وقراءة الجريدة ، بل الكتاب، وارتياد الأندية وزيارة الأصدقاء ، كل هذا يدخل في باب الإنتعاش

هذه هي حقيقة الشيخوخة . أما الوهم فهو الاعتقاد بأننـــا بعد الستين ندخل في طور الانهيار . وأننا بعد السبعين تشرع في الخرف .