صفحة:حياتنا بعد الخمسين- سلامة موسى- 1944.djvu/20

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وعلينا أن نذكر أن هذا الأسلوب المعيشي الذي انتهى به إلى اعتياد الدرس وتوخي الارتقاء الذهني بعد التسعين ، هو نفسه الذي ساعده على أن يحتفظ بصحته واتزانه إلى هذه السن . فإن هذا الأسلوب رتب له نظاماً ، كما عين له توجها وسدد حياته نحو غاية الرقى الشخصى . وعلى ألا يقنع من الحياة بأنه كائن في هذه الدنيا بل بأنه حى يعيش ويستمتع ويرتقي

ومثال القاضي هولمز واحد من الأمثلة التي تقشع كثيراً من الأوهام الشائعة عن الشيخوخة ، ولكنا مع ذلك لا نقصد إلى القول بأن كل ما يقال عن الشيخوخة أوهام . بل كل ما نتوخاه أن نبين للقارىء أن نعين لأنفسنا أسلوبا في العيش يتفق وصحة الجسم والذهن والنفس نستطيع به أن نستغل حياتنا ونستمتع بها . ومن الحسن أن نميز هنا بين الحقائق والأوهام عن الشيخوخة

فحقيقة الشيخوخة أنها تبدأ في الخامسة والعشرين حين يأخذ الضعف في الذاكرة . ويستمر هذا الضعف في تزايد سنة بعد أخرى إلى الموت سواء أكان في الخمسين أم الستين . ولكن ضعف الذاكرة هذا لا يحمل الشاب في الخامسة والعشرين على أن يكف عن الدراسة . ثم إن المرانة في دراسة ما تجعل الذاكرة - بالإرتباطات العديدة - قوية لدرجة يعود فيها الضعف تافها لا يحس فيه بتوالى السنين . وهناك بالطبع ذلك الضعف الواضح إذا ازداد التصلب في الشرايين وتجاوز المسن الشيخوخة إلى الهرم ، حين يعود النسيان ملحوظاً ، وحين ينسى المسن ما فعله اليوم أو أمس ، ولكنه يذكر ما فعله قبل عشرين سنة .