صفحة:حياتنا بعد الخمسين- سلامة موسى- 1944.djvu/14

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وفقد خصائصه السابقة في هندام زيه ودقة لغته . وليس لكل هذا أصل في بناء جسمه، وإنما ترجع هذه الحال إلى اتجاه نفسي جديد هو إحساس باطن ، قد لا يدرى به، يوهمه أن إقالته من منصبه قد انطوت بالفعل على إقالته من الحياة ، وإنه قد أصبح رجلا غير نافع وأن المجتمع يطلب وفاته.

وهنا تتضح لنا الميزة العظمى للعمل الحر على الوظيفة الحكومية فان التاجر والزارع والصانع عندما يبلغ أحدهم الستين لا يجد هذا القرار الرسمي الذي يجده موظف الحكومة بأنه قد بلغ نهاية المنفعة من العمر.. ولذلك لا يجد هذا الأثر السيكلوجي في نفسه، أو هذا النداء بأن يتقاعد ويتماوت ، ولهذا السبب نرى كثيراً من التجار في السبعين أو الثمانين يعملون في متاجرهم نشطين على وجوههم أمارات اليقظة والتنبه وفى أجسامهم تلك المرونة التي ترى في الشباب . ذلك أن نفوسهم يقظة. باهتمامات الكسب ،أو حتى بقوة الاندفاع السابق الذي لم يجد ما يعطله بقرار رسمي كهذا الذي تسلمه موظف الحكومة بأنه قد أحيل على المعاش أي على الشيخوخة

وليس من حقنا أن نطالب الحكومة بإبقاء الموظفين بعد الستين کی تستبقى شبابهم ونشاطهم . ولكن يجب على كل موظف أن يعد نفسه منذ الخمسين أو الأربعين لهذا اليوم الذي يترك فيه الوظيفة ويعود عاطلا كأي عامل ، وعليه أن يخيل نفسه لنفسه : هل هو في ذلك اليوم الذي سيحال فيه على المعاش سيكون عاطلا لايحسن أي عمل على هذا الكوكب لخدمة أكثر من ألف مليون نفس؟، وسيجد نفسه سمينا مستكرشا بطىء الحركة قليل العناية بهندامه وزيه حتى ليهمل حلق لحيته أو استحمامه ؟