صفحة:حقوق النساء في الإسلام.pdf/26

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
‫حقوق النساء في الإسلام‬

حُسن المعاملة في معاشرة النساء، وزُيِّنَ في أنفس الكثير منَّا حب المجاملة في مرضاتهن، ونشأَتْ لهن في قلوب الرجال منزلة من الاعتبار لم تكُن لَهُنَّ من قبلُ، وأحسَّ النساء بذلك من رجالهن، فعَدَدْنَ ما وصلنَ إليه من الحرية والإطلاق حقًّا من الحقوق وضروريًّا من ضروريَّات المعيشة، فلا يسهُل على الرجل أن يقضي على امرأته اليوم بما كان يقضي به من قبل أربعين سنة.

والذي يجب علينا هو معالجة المضارِّ التي يُظَنُّ أنها تنشأ عن تخفيف الحجاب، ولا توجد طريقة أنجع في ذلك العلاج إلا التربية، التي تكون هي الحجاب المنيع والحصن الحصين بين المرأة وبين كل فساد يُتَوَهَّمُ في أية درجة وصلت إليها من الحرية والإطلاق.

سيقول معترض إن التربية والتعليم يُصلِحان أخلاق المرأة، وأما الإطلاق فربما زاد في فسادها. فنجيب أن الإطلاق الذي نطالب به هو محدود، يحظر الخلوة مع أجنبي، وفي هذا الحظر ما يكفي لاتِّقاء المفاسد التي لا تتولد إلا من الخلوة، أما الإطلاق في نفسه فلا يمكن أن يكون ضارًّا أبدًا متى كان مصحوبًا بتربية صحيحة؛ لأن التربية الصحيحة تُكَوِّن أفرادًا أقوياء بأنفسهم، يعتمدون على أنفسهم ويسيرون بأنفسهم، فمن كمُلت تربيته استقل بنفسه واستغنى عن غيره، ومن نقصت تربيته احتاج إلى الغير في كل أموره، فالاستقلال في النساء كالاستقلال في الرجال، يرفع الأنفُس من الدنايا ويبعُد بها عن الخسائس؛ لذلك يجب أن يكون هو الغاية التي نطلبها من تربية النساء.

حُسن التربية واستقلال الإرادة هما العاملان في تقدُّم الرجال في كل زمان ومكان، وهما مطمح آمال كل أمة تسعى إلى سعادتها، وهما من أشرف الوسائل لإبلاغها من الكمال ما أعدت له، فكيف يمكن العاقل أن يدَّعي أن لهذين العاملين أثرًا آخر سيئًا في أنفُس النساء؟ ومن زعم أن التربية واستقلال الإرادة ممَّا يساعد على فساد الأخلاق في المرأة، فقد قصر نظره على بعض الاعتبارات التي لا يخلو عنها أمر من الأمور النافعة في العالم؛ فإن لكل نافع ضررًا إذا أُسيء استعماله.

هذا تعليم الرجال لا يخلو من العيوب الكثيرة، وكثير منهم يستعمل علمه واختباره فيما يَضُرُّ بنفسه أو بغيره. فهل ذلك يحمل أحدًا من الناس على أن يقول إن من الصواب أن لا يعلم الرجال شيئًا خوف استعمال ما يتعلمون فيما يسوءهم أو يسوء غيرهم؟ وإن من الواجب أن يُتركوا في الجهل تحت حجاب الغفلة؟ لا أظن أن عاقلًا يخطر هذا الخاطر بباله. فإذا كان إجماعنا قد انعقد على أن لا خير للرجال في الجهل والاستعباد، وأن لا

٢٦