صفحة:حقوق النساء في الإسلام.pdf/23

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
الجهة الاجتماعية‬

‫رأت رجلًا في الطريق أو دعتها الضرورة لمخاطبته، تتصنَّع في حركاتها وصوتها ما تظن أنه يروق في عين الرجل، والرجل كذلك. ‫ُ‬ وقد شاهدتُ وشاهد كل إنسان ما يخالف ذلك في بلاد أوروبا وفي الآستانة وفي القُرى المصرية وبين الأعراب في البادية، حيث يمر الرجال والنساء بعضهم بجانب بعض وكتفًا لكتف، ولا يلتفت أحدهم إلى الآخر.

ولا ريب أن استلفات الذهن دائمًا إلى اختلاف الصنف من أشد العوامل في إثارة الشهوة.

‫وبديهي أن المرأة التي تحافظ على شرفها وعِفتها وتصون نفسها عمَّا يوجب العار، وهي مُطلَقة غير محجوبة، لها من الفضل والأجر أضعاف ما يكون للمرأة المحجوبة؛ فإن عفة هذه قهرية، أما عفة الأخرى فهي اختيارية، والفرق كبير بينهما. ولا أدري كيف نفتخر بعفة نسائنا ونحن نعتقد أنهن مصونات بقوة الحراس واستحكام الأقفال وارتفاع الجدران؟!

‫أيُقبل من مسجون دعواه أنه رجل طاهر لأنه لم يرتكب جريمة وهو في الحبس؟ فإذا كانت نساؤنا محبوسات محجوبات فكيف يمكنهن أن يتمتَّعن بفضيلة العفة وما معنى أن يُقال إنهن عفيفات؟ إن العفة هي خُلُقٌ للنفس تمتنع به من مقارفة الشهوة مع القدرة عليها، ولعل التكليف الإلهي إنما يتعلق بما يقع تحت الاختيار، لا بما يُستكره عليه من الأعمال. فالعفة التي تُكلَّف بها النساء يجب أن تكون من كَسْبِهِنَّ وممَّا يقع تحت اختيارهن، لا أن يُكُنَّ مُستكرَهات عليها، وإلا فلا ثواب لهنَّ في مجرد الكف عن المنكر؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «من عشق فعفَّ فكتم فهو شهيد.»

‫والحقيقة أننا نعمل عمل من يعتقد أن النساء عندنا لسنَ أهلًا للعفة. أليس من الغريب أن لا يوجد رجل فينا يثِق بامرأة أبدًا مهما اختبرها ومهما عاشت معه؟ أليس من العار أن نتصور أن أمهاتنا وبناتنا وزوجاتنا لا يعرفن صيانة أنفسهن؟ أيليق أن لا نثق بهؤلاء العزيزات المحبوبات الطاهرات وأن نُسيء الظن بهن إلى هذا الحد؟

إني أسأل كل إنسان خالي الغرض: هل هذه المعاملة يليق أن يُعامَل بها إنسان له من خاصة الإنسان ما لنا؟ فهو مثلنا له رُوح ووجدان وقلب وعقل وحواس. وهل سوء الظن في المرأة إلى هذا الحد يتفق مع اعتبارنا لأنفسنا واعتبار المرأة لنفسها؟

والعاقل يرى أن الاحتياط الذي يتخذه الرجال لصيانة النساء عندنا مهما بلغ من الدقة لا يفيد شيئًا إن لم يَصِلِ الرجل إلى امتلاك قلب امرأته، فإن ملكه ملَك كل شيء منها،

٢٣