صفحة:حقوق النساء في الإسلام.pdf/22

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

حقوق النساء في الإسلام

الحجاب باقية. بل نرى اختلافًا كبيرًا بين زمن وزمن في بلدٍ واحد. والتجارِب ترشد إلى أمر يُمكن أخذُه دليلًا على أن الإطلاق أدنى بالنساء إلى العفة من الحجاب، فمن المشاهَد الذي لا جدال فيه أن نساء أمريكا هُن أكثر نساء الأرض تمتُّعًا بالحرية، وهن أكثرهن اختلاطًا بالرجال، حتى إن البنات في صباهن يتعلمن مع الصبيان في مدرسة واحدة، فتقعد البنت بجانب الصبي لتلقِّي العلوم. ومع هذا يقول المُطَّلعون على أحوال أمريكا إن نساءها أحفظ للأعراض وأقوَم أخلاقًا من غيرهن، وينسبون صلاحهن إلى شدة الاختلاط بين الصِّنفين من الرجال والنساء في جميع أدوار الحياة. ومن المُشاهَد الذي لا نزاع فيه أيضًا نساء العرب ونساء القُرى المصرية، مع اختلاطهن بالرجال على ما يشبه الاختلاط في أوروبا تقريبًا أقل ميلًا للفساد من ساكنات المدن اللائي لم يمنعهن الحجاب من مُطاوعة الشهوات والانغماس في المفاسد.

وهذا ممَّا يَحمِل على الاعتقاد بأن المرأة التي تخالط الرجال تكون أبعدَ عن الأفكار السيئة في المرأة المحجوبة، والسبب في ذلك أن الأولى تعوَّدَتْ رؤية الرجال وسماع كلامهم، فإذا رأت رجلًا أيًّا كان لم يحرك منظره فيها شيئًا من الشهوة، بل لو عرض عليها شيء من هذا فإنما يكون بعد مصاحبة طويلة وقضاء أوقات في خلوات كثيرة يحدث فيها ما قد يُشعر كل واحدٍ منهما بانجذابٍ إلى الآخر. وهذا هو ما منعته الشريعة وبيَّنَّا امتناعه فيما سبق. أما الثانية فمجرد وقوع نظرها على رجل يُحدِث في نفسها «خاطر اختلاف الصنف» من غير شعور ولا تعمُّد ولا نية سيئة. وإنما هو أثر منظر الرجل الأجنبي؛ لأنه قد وقَر في نفسها أن لا تراه ولا يراها، فمجرد النظر إليه كافٍ في إثارة هذا الخاطر. ‫ُ‬ ‫وقد شاهدتُ مرارًا كما شاهد غيري هذا الأثر عينه في الرجال، فرأيت أن الرجل الذي لم يتعود الاختلاط بالنساء إن لم يغلبه سلطان التهذيب القوي لا يملك نفسه إذا جلس بينهنَّ، فلا تشبع عينه من النظر إليهن ومن التأمُّل في محاسنهن، وينسى في ذلك كل أدب ولياقة، وربما طلب الوسائل لملامستهن بيده أو مماسَّتهن بكتفه، ويندفع إلى أقوال وأعمال تشمئزُّ منها نفوس الحاضرين، كأنه يظن — بل هو يظن بالفعل — أنه لا معنى لاجتماع الرجل مع المرأة في مكانٍ واحد إلا أن يتمتع كل منهما بشهوته مع الآخر، بخلاف الرجل الذي اعتاد على مخالطة النساء؛ فإنه لا يكاد يجد في نفسه أثرًا من رؤيتهن أكثر ممَّا يجده عند رؤية الرجال، ولا يشعر بأدنى اضطراب في حواسِّه ولا في مشاعره. فمِنْ ألزم لوازم الحجاب أنه يهيئ الذهن في الرجال وفي النساء معًا لتخيُّل الشهوة بمجرد النظر أو سماع الصوت، وهذا يوضِّح لنا السبب فيما نشاهده كل يوم من أن المرأة إذا

٢٢