صفحة:حقوق النساء في الإسلام.pdf/19

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

‫الجهة الاجتماعية

ولما كان السِّنُّ الذي تُحجَب فيه المرأة — وهو ما بين الثانية عشرة والرابعة عشرة من عمرها — هو السن الذي يبتدئ فيه الانتقال من الصبا إلى الرجولية وتظهر فيه حاجة المرأة — كما تظهر حاجة الرجل — إلى اختبار العالم والبحث في الحياة وما تستدعيه، وهو السن الذي يظهر فيه الملكات ويظهر الميول والوجدانات، وهو السن الذي يتعلم فيه الإنسان نوعًا آخر من العلم أنفس مما تعلَّمه في المدارس، وهو علم الحياة، وطريق تحصيل ذلك العلم إنما هو بالاختلاط مع الناس واختبار واستعراف أخلاقهم. وفي هذا السن يبتدئ الإنسان يعرف شعبه ومِلَّتَه ووطنه ودينه وحكومته، وفي هذا السن يبتدئ استعداد كل شخص وميله وكفاءته في الظهور، فيندفع إلى الأعمال اندفاع الماء في المنحدرات، وهو سن الآمال والرغائب والنشاط، فإن حُجِبت فيه الفتاة وانقطعت عن هذا العالم بعد أن كانت المواصلة بينه وبينها مستمرة وقف نُمُوُّهَا، بل رجعت القهقرى وفقدت كل ما كان يزين نفسها، ونسيت كل معارفها وخابت كل مساعيها وضاعت آمالها وآمال الناس فيها. ولا ذنب عليها في ذلك، فهي عاجزة مسكينة، قضت عليها عادة سخيفة بالحرمان المؤبد من الترقِّي والكمال.

ربما يُقال إن في طوع المرأة وإمكانها أن تستكمل تربيتها وتتم دراستها في بيتها. وهو وَهْمٌ باطل؛ فإن الرغبة في اكتساب العلم والتشوُّق لاستطلاع ما عليه الناس في أحوالهم وأعمالهم، وحب استكشاف الحقائق وكل ما يستميل النفس إلى المطالعة والدرس لا يتوفر للمرأة مع حجابها؛ ذلك لأن الحجاب يحبس المرأة في دائرة ضيقة، فلا ترى ولا تسمع ولا تعرف إلا ما يقع فيها من سفاسف الحوادث ويَحُول بينها وبين العالم الحي — وهو عالم الفكر والحركة والعمل — فلا يصل إليها منه شيء، وإن وصل إليها بعضُه فلا يصل إلا محرَّفًا مقلوبًا. أما إذا استمرَّتْ المواصلات بينها وبين العالم الخارجي فإنها تكتسب بالنظر في حوادثه وتجربة ما يقع فيه معارفَ غزيرة تنبت فيها من المخالطات والمعاشرات، والمشاهدة والسماع، ومشاركة العالم في جميع مظاهر الحياة. وقد يكفي في إعانتها على كسب ذلك كله والانتفاع منه ما حصَّلَته بالتعلُّم من المعارف الأولى، وربما يمكنها أن تستغني عن تعلُّم المعارف الأولى إذا حسنت الفطرة وجادت القريحة.

وعلى فرض أن المرأة يمكنها في احتجابها أن تستكمل ما نقص منها علمًا وأدبًا بقراءة الكتب، فمن البديهي أنَّ كل ما تُحصِّله من الكتب يعَدُّ من قبيل الخيالات إن لم تُمكنه التجربة ويؤكده العمل. ولو عاملنا إخوتها الصبيان كما نعاملها وحجبناهم في البيوت حتى بلغوا سن الخامسة عشرة لكانت النتيجة واحدة، بل لو أخذنا رجلًا بلغ

١٩