صفحة:حقوق النساء في الإسلام.pdf/18

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
حقوق النساء في الإسلام

تلك العواطف، وخلع ما ألبسه إياه أسلافه من أردية الوراثة في المسألة من جهاتها بَحَثَ بَحْثَ من لم يتأثر إلا بالتجربة التي تجري في الوقائع الصحيحة، وحصل لنفسه رأيًا من ملاحظاته الشخصية، وكان ممن تنجذب نفسه إلى الحق وتنبعث إلى السعي للوقوف عليه وتأييده لما له عندها من المنزلة العلية والمكان الرفيع، وكان لا يغش نفسه بالتزويق والتزيين الوهميَّين، وإنما يُسمع صوت وجدانه السليم ويرجحه على كل هدى سواه مهما كانت درجته من التمكُّن فيمن حوله من الناس، فعند ذلك يرى أن المرأة لا تكون — ولا يمكن أن تكون — وجودًا تامًّا إلا إذا ملكت نفسها وتمتَّعَتْ بحريتها الممنوحة لها بمقتضى الشرع والفطرة معًا، ونمَّتْ ملكاتها إلى أقصى درجة يمكن أن تبلغها، ويرى أن الحجاب على ما ألِفناه مانع عظيم يحُول بين المرأة وارتقائها، وبذلك يحُول بين الأمة وتقدُّمها.

بيَّنَّا عند الكلام على تربية المرأة ما لها من المزايا الجليلة والآثار الحسنة التي تترتب عليها في شئونها نفسها وشئون بيتها وفي الاجتماع الذي هي فيه. وذكرنا أن من أكبر أسباب ضعف الأمة حرمانها من أعمال النساء، وأن تربية الطفل لا تصلُح إلا إذا كانت أمه مُرَبَّاة، وقررنا أن الولد ذكرًا كان أو أنثى لا يملك صحة ولا خَلة ولا مَلَكة ولا عقلًا ولا عاطفة إلا من طريقتين: الوراثة، والتربية. واستدللنا على أن الولد يرث من أمه قدر ما يرث من والده على الأقل، وأن تأثير الأم في تربية الطفل بعد ولادته أعظم من تأثير أبيه. ونريد أن نبرهن هنا على أن تربية الأم نفسها لا يمكن أن تتم إذا استمر حجاب النساء على ما هو عليه الآن، حتى إذا انتهى القارئ من تلاوة هذا الباب رأى كيف ترتبط المسائل بعضها ببعض، وكيف أن أصغرها يتوقف عليه أعظمها.

إذا أخذنا بنتًا وعلَّمناها كل ما يتعلمه الصبي في المدارس الابتدائية وربَّيناها على أخلاقٍ حميدة، ثم قصرناها في البيت ومنعناها عن مخالطة الرجال، فلا شك أنها تنسى بالتدريج ما تعلَّمته وتتغير أخلاقها على غير شعورٍ منها، وفي زمنٍ قليل لا نجد فرقًا بينها وبين أخرى لم تتعلم أصلًا؛ ذلك لأن المعارف التي يكسبها الإنسان وهو في سن الصبا لا يحيط بدقائقها ومناشئها؛ ولذلك لا يكون علمه فيها علمًا تامًّا كاملًا، وإنما يتم له شيء من ذلك إذا بلغ سن الرجولية واستمر على مزاولة العمل والاشتغال؛ فالصبي يحفظ أسماء الأشياء أكثر ممَّا يفهم معانيها، وأكبر فائدة يستفيدها في هذا الطور من التعليم إنما هي التعود على العمل وحب استطلاع الحقائق والاستعداد للدراسة. فإن وَقَفَ سير التعليم في هذا السن اضمحلَّت المعلومات المستفادة وانتثرَت من الذهن شيئًا فشيئًا، وكان ما مضى من الوقت في التعليم زمنًا ضائعًا.

۱۸