صفحة:حقوق النساء في الإسلام.pdf/20

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
‫حقوق النساء في الإسلام‬

الأربعن من عمره وحجبناه عن العالم وألزمناه أن يعيش بين أربعة جدران وسط النساء‬ ‫والأطفال والخدم لشعر بانحطاط تدريجي في قواه العقلية والأدبية‪ ،‬ولا بد أن يأتي يوم‬ ‫يجد فيه نفسه مساويًا لهم‪ .‬فإذن يكون من الخطأ أن نتصور أننا متى علمنا بناتِنا جاز‬ ‫ِ‬‫لنا أن نحجبهن متى بلغن سنٍّا‬ مخصوصا‪ ،‬وأن مجرد ذلك التعليم الأول يكفي في‬ التوقي‬ ‫من الضرر‪ .‬لأن الضرر في الحجاب عظيم‪ ،‬وهو ضياع ما كسبنَه بالتع ُّلم‪ ،‬وحرمانهن من‬ ‫الترقي في مستقبل العمر‪ ،‬والأمر في ذلك واضح لا يحتاج إلى دليل‪ .‬ويكفينا أن نرجع إلى‬ ‫أنفسنا ونخطر ببالنا ما كنا َّ عليه في الخامسة عشرة من عمرنا‪،‬‬ فيتبن لنا أننا كنا أشبه‬ بالأطفال‪ ،‬لا نكاد نعلم شيئًا من العالم ولا نعرف للحياة قيمة‪ ،‬ولا نميز كمال التمييز‬ ‫بين ما لنا وما علينا‪ ،‬ولا تمتاز لدينا حقوقنا وواجباتنا‪ ،‬وليس لنا عزيمة ثابتة في مجاهدة‬ ‫أنفسنا‪ ،‬وإن أكبر عامل له أثر في تكميلنا هو استمرار تعلمناوتربية عقولنا ونفوسنا‬ ‫استمرا ًرا لا انقطاع معه‪ .‬وإن ذلك لم يتم لنا بقراءة الكتب‪ ،‬بل بالمشاهدة واالممارسة‬ ‫والمخالطة وتجربة الناس والحوادث‪.‬‬

‫وفي الحقيقة إن تربية الإنسان ليس لها ِسنٌ معين تنقطع بعده‪ ،‬ولا حد معروف‬ ‫تنتهي عنده‪ ،‬فهي لا تُنال بحفظ مقدار من العلوم والمعارف يُجهد الإنسان نفسه في‬ ‫اكتسابه في سنين معدودة‪ ،‬ثم يقضي حياته بعد ذلك في الراحة‪.‬‬

‫التربية ليست ذلك الشيء البسيط الذي يفهمه عامة الناس‪ ،‬حيث يتصورون أنها‬ ‫عبارة عن تخزين كمية من المعارف المقررة في بروجرامات المدارس‪ ،‬ثم امتحان‪ ،‬ثم شهادة‬ ‫ليس بعدها إلا البطالة والجمود‪ ،‬وإنما التربية هي العمل المستمر الذي تتوسل به النفس‬ ‫إلى طلب الكمال من كل وجوهه‪ ،‬وهذا العمل لا بد منه في جميع أدوار الحياة‪ ،‬حيث يبتدئ‬ ‫من يوم الولادة ولا ينتهي إلا باالموت‪.‬‬

‫‫وإذا أراد القارئ أن يتبين صحة ما أسلفته من مضار الحجاب على وجه لا يبقى‬ ‫للريب معه مجال‪ ،‬فما عليه إلا أن يُقارن بين امرأة من أهله تعلمت‪ ،‬وبين أخرى من أهل‬ ‫القرى أو من المتجرات في المدن لم يسبق لها تعليم‪ ،‬فإنه يجد الأولى تُحسن القراءة والكتابة‬ ‫وتتكلم بلغة أجنبية وتلعب البيانو‪ ،‬ولكنها جاهلة بأطوار الحياة بحيث لو استقلت بنفسها‬ ‫لعجزت عن تدبير أمرها وتقديم حياتها‪ ،‬وأن الثانية مع جهلها قد أحرزت معارف كثرية‬ ‫اكتسبتها من المعاملات والاختبار وممارسة الأعمال والدعاوى والحوادث التي مرت عليها‪،‬‬ ‫ُ‬وأن كل ذلك قد أفادها اختباراً عظيمًا‪ ،‬فإذا تعاملتا َغلبَت‬ ‫الثانية الأولى‪.‬‬


٢٠