صفحة:حقوق النساء في الإسلام.pdf/12

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
‫حقوق النساء في الإسلام‬

إذا وقفت المرأة في بعض مواقف القضاء خَصمًا أو شاهدًا، كيف يسوغ لها ستر وجهها؟ مضت سنون والخصوم وقضاة المحاكم أنفسهم غافلون عمَّا يهم في هذه المسألة، متساهلون في رعاية الواجب فيها. فهم يقبلون أن تحضر المرأة أمامهم مُستترة الوجه وهي مُدَّعية أو مُدَّعًى عليها أو شاهدة، وذلك منهم استسلامًا للعوائد، وليس بخافٍ ما في هذا التسامُح من الضرر الذي يصعُب استمراره فيما أظن؛ وذلك لعدم الثقة بمعرفة الشخص المستتِر، ولما في ذلك من سهولة الغش. كل رجل يقف مع امرأة موقف المخاصمة من هَمِّهِ صحة التمسُّك بقولها. ولا أظن أنه يسوغ للقاضي أن يحكم على شخص مستتر الوجه ولا أن يحكم له. ولا أظن أنه يسوغ له أن يسمع شاهدًا كذلك، بل أقول إن أول واجب عليه أن يعرف وجه الشاهد والخَصم خصوصًا في الجنايات، وإلا فأي معنى لما أوجبه الشرع والقانون من السؤال عن اسم الشخص وسنه وصناعته ومولده. وماذا تفيد معرفة هذه الأمور كلها إذا لم يكن معروفًا بشخصه.

‫والحكمة في أن الشريعة الغرَّاء كلفت المرأة بكشف وجهها عند تأدية الشهادة كما مَرَّ ظاهرة، وهي تَمَكُّنُ القاضي من التفرُّس في الحركات التي تبدو على الوجه والعلامات التي تظهر عليه، فيقدر الشهادة بذلك قدرها.

لا ريب أن ما ذكرنا من مضارِّ التحجُّب يندرج في حكمة إباحة الشرع الإسلامي لكشف المرأة وجهها وكفيها، ونحن لا نريد أكثر من ذلك.

واتفق أئمَّة المذاهب أيضًا على أنه يجوز للخاطب أن ينظر إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها. بل قالوا بندبه عملًا بما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لأحد الأنصار، وكان قد خطب امرأة: «أنظرت إليها؟ قال: لا. قال: فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما.»

‫هذه نصوص القرآن وروايات الأحاديث وأقوال أئمة الفقه كلها واضحة جليَّة في أن الله تعالى قد أباح للمرأة كشف وجهها وكفَّيها، وذلك للحِكَم التي لا يصعب إدراكها على كل مَن عقِل.

هذا حكم الشريعة الإسلامية كله يُسر لا عُسر فيه لا على النساء ولا على الرجال، ولا يُضرب بين الفريقين بحجاب لا يخفى ما فيه من الحرج عليهما في المعاملات والمشقة في أداء كل منهما ما كُلِّفَ به من الأعمال، سواء كان تكليفًا شرعيًّا أو تكليفًا قضت به ضرورة المعاش.سواء كان‬

أما دعوى أن ذلك من آداب المرأة فلا أخالها صحيحة؛ لأنه لا أصل يمكن أن ترجع إليه هذه الدعوى، وأي علاقة بين الأدب وبين كشف الوجه وستره؟ وعلى أي قاعدة بُنِيَ الفرق

١٢