صفحة:حقوق النساء في الإسلام.pdf/11

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
‫‫الجهة الدينية‬‬

خَوَّلَتْ الشريعة للمرأة ما للرجل من الحقوق، وألقَتْ عليها تَبِعَةَ أعمالها الدينية والجنائية، فللمرأة الحق في إدارة أموالها والتصرُّف فيها بنفسها. فكيف يمكن للرجل أن يتعاقد معها من غير أن يراها ويتحقق شخصيتها؟

‫اومن غريب وسائل التحقُّق أن تحضر المرأة مُلتفَّة من رأسها إلى قدميها، أو تقف من وراء ستار أو باب، ويُقال للرجل: ها هي فلانة التي تريد أن تبيعك دارها أو تقيمك وكيلًا في زواجها مثلًا. فتقول المرأة: بعت أو وكَّلت. ويُكتفى بشهادة شاهدَيْن من الأقارب أو الأجانب على أنها هي التي باعت أو وكَّلَتْ. والحال أنه ليس في هذه الأعمال ضمانة يطمئن لها أحد، وكثيرًا ما أظهرَتِ الوقائع القضائية سهولة استعمال الغش والتزوير في مثل هذه الأحوال. فكم رأينا أن امرأة تزوَّجَتْ بغير علمها، وأجَّرَتْ أملاكها بدون شعورها، بل تجرَّدَتْ من كل ما تملكه على جهلٍ منها، وذلك كله ناشئ من تحجُّبها وقيام الرجال دونها يَحُولون بينها وبين من يُعاملها.

كيف يمكن لامرأة محجوبة أن تتخذ صناعة أو تجارة للتعيُّش منها إن كانت فقيرة؟ كيف يمكن لخادمة محجوبة أن تقوم بخدمة منزل فيه رجال؟ كيف يمكن لتاجرة محجوبة أن تدير تجارتها بين الرجال؟ كيف يتسنَّى لزارعة محجوبة أن تفلح أرضها وتحصد زرعها؟ كيف يمكن لعاملة محجوبة أن تباشر عملها إذا أجَّرت نفسها للعمل في بناء بيت أو نحوه؟

‫وبالجملة فقد خلق الله تعالى هذا العالم ومكَّن فيه النوع الإنساني ليتمتع من منافعه بما تسمح له قواه في الوصول إليه. ووضع للتصرُّف فيه حدودًا تتبعها حقوق. وسوَّى في التزام الحدود والتمتُّع بالحقوق بين الرجال والمرأة من هذا النوع. ولم يقسم الكون بينهما قسمة إفراز، ولم يجعل جانبًا من الأرض للنساء يتمتَّعن بالمنافع فيه وحدهن وجانبًا للرجال يعملون فيه في عزلة عن النساء. بل جعل متاع الحياة مشترَكًا بين الصنفين، شائعًا تحت سلطة قواهما بلا تمييز، فكيف يمكن مع هذا لامرأة أن تتمتع بما شاء الله أن تتمتع به ممَّا هيَّأها له بالحياة ولواحقها من المشاعر والقوى، وما عرضه عليها لتعمل فيه من السكون المشترك بينها وبين الرجال إذا حظر عليها أن تقع تحت أعين الرجال إلا من كان من محارمها؟ لا ريب أن هذا ممَّا لم يسمح به الشرع ولن يسمح به العقل.

‫لهذا رأينا أن الضرورة أحالت الثبات على هذا الضرب من الحجاب عند أغلب الطبقات من المسلمين كما نشاهده في الخادمات والعاملات وسكان القرى حتى من أهل الطبقة الوسطى، بل وبعض أهل الطبقة العليا من أهل البادية والقُرى، والكل مسلمون، بل قد يكون الدِّين أَمْكَنَ فيهم منه في أهل المدن.

١١