صفحة:تاريخ الآداب العربية في الربع الأول من القرن العشرين (1926) - لويس شيخو.pdf/93

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

[القسم الثالث]

[الآداب العربية من السنة 1918 إلى 1926]

[البحث الأول]

[نظر عام في الآداب العربية بعد الحرب الكونية]

كان وداعنا للحقبة الثانية من الربع الأول من القرن العشرين وداعاً مبلولاً بدموع الحزن والكآبة بعد أن افتتحناها بالسرور والبهجة. كيف لا وقد حلت تلك الأيام الداهية الدهياء أي الحرب الكونية التي كانت أشبه بصاعقةٍ هائلة دوت في جو صافٍ لا يحسب حسابها منتظر. على أن الصواعق إذا أرعدت وأرعبت وتفجرت لا تلبث أن تهدأ زمجرتها ويسكت هزيم رعدها وتنكشف سحب سمائها المتلبدة. وهكذا كان أمل الشعوب يتكهنون بقصر مدة الحرب مع ما لدى الدول من الأسلحة الحديثة التي من شأنها أن تجلب دماراً واسعاً بأسرع وقت. وما أخيب ذاك الأمل فطالت الحرب ونشرت الهلاك في معظم أصقاع المعمور ولم ينج من أضرارها ذات البلاد التي لم تخض عبابها فأصيبت برجع صداها المؤلمة وما عسى أن يكون مع أهوال الحرب سهم الآداب. وهل يسمع صرير الأقلام عند صلصلة السيوف أو يصغي إلى صوت البلغاء مع دوي المدافع حين يكون (السيف أصدق أنباءً من الكتب) فإن كانت الحرب أصابت ببلاياها أنحاء المعمور فهل كان من أمل أن تنجو من تيارها الآداب عموماً والآداب العربية خصوصاً وهي مع سعتها لم تبلغ مبلغ الآداب الأوربية التي بكت على ألوف من نوابغ علمائها وأصيبت أيضاً بمصاب أليم وقد تراكمت ويلات الحرب على البلاد الناطقة بالضاد لا سيما تحت حكم الدولة العثمانية من جزيرة العرب إلى حدود القفقاز ومن بحر الشام إلى العجم. فأقفلت معظم المطابع وأوقفت المجلات وألغيت الجرائد إلا ما ندر منها وكان أصحابها