صفحة:تاريخ الآداب العربية في الربع الأول من القرن العشرين (1926) - لويس شيخو.pdf/13

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

الباب الثاني

أركان النهضة في أوائل القرن العشرين في مصر

السيد الأفغاني

يسرنا أن نفتتح باسمه الكريم هذه الحقبة الأولى وإن كانت وفاته سبقتها قليلا إذ لم نستوف حقه في كتابنا عن أدباء القرن التاسع عشر. وهو السيد جمال الدين الأفغاني الأصل مولود أسعد آباد سنة ١٢٥٤هـ (١٨٣٨م) درس في كابل ثم في الهند على علمائها ثم سافر إلى مصر وإلى الآستانة حيث قدر رجال الدولة قدره وجعلوه أحد أعضاء مجلس المعارف فاجتهد في توسيع نطاقها. لكن أولي الأمر تخوفوا من حرية أفكاره فألجئوه إلى هجر العاصمة والالتجاء إلى وادي النيل سنة ١٨٧١ فحل في القاهرة ضيفا كريما وانصب على العلوم العصرية حتى بلغ منها مبلغا عظيما وعرف بفيلسوف الشرق. فالتف حوله كل طالبي الترقي والتحرر فكان يبعث فيهم بلهجته وخطبه وكتاباته روح الاستبداد فنفي إلى بلاده سنة ١٨٧٩ فاحتل حيدر آباد وسكن في كلكتا في زمن الثورة العرابية. ثم سافر إلى أوربة. وأنشأ في باريس مجلته العروة الوثقى مع صديقه الشيخ محمد عبده المصري ساعيا إلى توحيد كلمة المسلمين. ثم تنقل في البلاد الأوربية إلى أن استقدمه ناصر الدين شاه إلى طهران وجعله وزير الحربية فلم تطل مدته في تلك الوزارة فسافر إلى روسية ورحل إلى باريس وشاهد معرضها سنة ١٨٨٩ وعاد إلى إيران بإغراء الشاه فعني بإصلاح أمورها. فخاف أرباب الدولة من تطرفه فأبعد مريضا إلى حدود تركيا وسكن مدة مدينة البصرة إلى أن استدعاه السلطان عبد الحميد إلى الآستانة سنة ١٨٩٢ وأسكنه في بعض قصورها فبقي فيها مكرما إلى سنة وفاته بداء السرطان في ٩ آذار سنة ١٨٩٧. أما آثاره الكتابية فهي مفرقة في صحف زمانه. نشر منها الشيخ محمد عبده رسالته في نفي مذهب الدهريين وقد أثنينا عليها مرارا ونقلنا عنها فصولا شائقة في مناصبة هذا المذهب وبيان الشرور الناتجة عنه وفي تأثيم زعمائه الكفرة كفولتير وروسو.

الشيخ محمد عبده

لا يجوز أن نفرق بين جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده. فإنهما سيان في النهضة الأدبية التي حدثت في الشرق الإسلامي.