صفحة:تاريخ الآداب العربية في الربع الأول من القرن العشرين (1926) - لويس شيخو.pdf/11

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

فوضعوا طرائق مختلفة لنظمهم وإبراز شواعرهم.

وقد أكثروا من وضع الروايات الخيالية ونقلوا ما شاع منها في البلاد إلى العربية فغلبت أذهان الكتبة والقراء قوة الاحساسات والشواعر التخيلية على قوة العقل ورزانة الفكر. على أن ذوي الذوق السالم وأصالة الرأي لم ينخدعوا بهذه القشور وثبتوا على الكتابة السلسة المنسجمة التي شاعت في عصور اللغة الذهبية ففضلوا اللب على القشر والجوهر على السطحيات.

ومن مميزات أوائل القرن العشرين اتساع نطاق الآداب العربية فأن تلك النهضة التي شملت أولا مصر والشام وبعض العراق أخذت تنتشر بفضل المواصلات والمهاجرة إلى أنحاء السودان ومراكش وتونس وطرابلس الغرب وبلغت أنحاء أمريكة الشمالية والجنوبية وبالأخص نيويورك والبرازيل. فكثرت المطبوعات وتوفرت الصحف السيارة.

وكان من سمة تلك المنشورات أنها تحررت من كل مراقبة فكان أصحابها يعرضون أفكارهم بكل حرية لا يخافون تقييدا في بسطها. فنالها بذلك بعض المحاسن وبعض المساوئ فأما المحاسن فبكونها خاضت كل المواضيع السياسية والأدبية والتاريخية والفنية مطلقة العنان لكل العواطف والتخيلات لا تخشى انتقاد الأعمال المذمومة ضاربة على أيدي كل ظالم حتى السلاطين. وأما المساوئ فلأن بعضا من الكتبة لم يقفوا على حدود الاعتدال والأنصاف فلاموا غير ملوم وحمدوا غير حميد وانتقدوا ليس لإصلاح فاسد أو تقويم معوج بل لغايات شخصية سافلة. وصوبوا سهامهم للدين وأربابه الكرام واستعاروا من الماسونية ومن بعض المذاهب البروتستانية مغالاتهم في مناهضة التعاليم المسيحية الكاثوليكية وابتخسوا حقوق الآداب فهاموا في بيداء أوهامهم وتاهوا في مهامه جهلهم.

ومن مساوئ ذلك الانتشار البعيد ما أصاب اللغة من آفة الفساد وذلك بتوفر الألفاظ الأجنبية والأساليب الغربية. وربما وضع الصحافيون والمعربون في نقلهم عن نقلهم عن اللغات الأوربية مفردات مختلفة لمسمى واحد لا سيما للمخترعات الجديدة. فاضطربت بخلافهم أفكار القراء. وأسوأ من ذلك أغلاط وسقطات لغوية شاعت في الجرائد والتأليف المستحدثة فقام بعض الأدباء كالمرحوم الشيخ إبراهيم اليازجي ينتصرون لآداب اللغة ويزيفون ما رأوه مخالفا لأوضاعها ولعلهم لم يلزموا في انتقادهم الطريقة