صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/98

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٢١٢
بشير بين السلطان والعزيز

عكة: وبعد جلاء المصريين عن بيروت وساحلها والتلال المشرفة عليها جلوا عن طرابلس واللاذقية وأدنة دون قتال وبقوا في ساحل فلسطين فاتجهت أنظار الحلفاء إلى عكة وكتب الوزير البريطاني الفيكونت بالمرستون في الخامس من تشرين الأول بوجوب احتلالها ولكنه اشترط ضمان النجاح. وتلقى الأميرال السر روبرت أوامر حكومته هذه في أواخر الشهر نفسه فأصدر أمره في التاسع والعشرين إلى عمر بك النمساوي بالتقدم براً من صيدا إلى عكة بألفي مقاتل وأقلع هو من بيروت بعد ذلك بيومين بسفنه وبثلاثة آلاف مقاتل عثماني بقيادة محمد سليم باشا. ووصل عمر بك النمساوي إلى الناقورة في الوقت المحدد له أي في الثاني من تشرين الثاني الوقت نفسه الذي أطلت فيه السفن على عكة. ولكن الرياح جرت في ذلك اليوم بما لم تشته سفن الحلفاء فأرجئت الأعمال الحربية إلى اليوم التالي1.

وكان العزيز قد أمر بترميم عكة بعد أن استولى عليها في ربيع السنة ١٨٣٢ وألمح بوجوب الإسراع في ذلك فباشر المهندس الإيطالي رومانيوس أعمال الترميم في أواخر تموز من السنة نفسها2 وفي السنة ١٨٣٦ وضع الكولونيل شولتر البولوني تصميماً لتحسين الحصون والأسوار من جهتي البر والبحر ورفعه إلى السرعسكر المصري ولكن هذا أجل النظر فيه لأنه لم يكن يتوقع هجوماً منظماً من البحر. وفي آذار السنة ١٨٤٠ أرسل شولتر نفسه إلى عكة للاهتمام بأسوارها البحرية فوجدها كما عهدها حوائط عادية. ولما كان لا يمكنه أن يحولها إلى أسوار منيعة نظراً لضيق الوقت عمد إلى تدعيمها بالتراب حتى أعلاها في نقاط متعددة وركب مدافعها بما أوتي من فن وحكمة ولكن هذه كانت قليلة العدد لم تتجاوز بمجموعها الإثنين والسبعين بعضها من عيار ١٢ والبعض الآخر من عيار ١٦ و٢٤3. وكانت سفن الحلفاء تحمل أربع مئة وسبعين مدفعاً من عيار ٣٢ و٦٨ و٨٠.

وفي الساعة الثانية من بعد ظهر الثالث من تشرين الثاني صب الحلفاء نيران مدافعهم على المدينة وأسوارها فأسكتوا بعض مدافع الأسوار البحرية وأحدثوا بعض الثغرات في هذه الأسوار. ولكنهم حوالي الساعة الرابعة وفقوا إلى إصابة مستودع الذخائر الكبير بين السورين البريين وراء خان الحمير فتفجرت محتوياته وتهدم ثلث البلدة كما انفتحت فجوتان كبيرتان في السورين وذهب ضحية هذا الانفجار عدد كبير من الجنود المصريين قُدر بثلاثة


  1. الحرب في سورية لنايبر ج ١ ص ۱۹۷-۲۱۱
  2. المحفوظات الملكية المصرية ج ٢ ص ۲۰ و۲۲ و٥۱ و٥٦
  3. تاريخ محمد علي لبول موربیه ج ۱ ص ۳۳۸-٣٤١