صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/99

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٢١٣
الفصل الرابع عشر: الجلاء

آلاف. وعند المساء سكت الإنكليز وباتوا ينتظرون الضحى لمتابعة القتال. وحاول الأميرال العثماني السر بولدوين ووكر إنزال بعض الجواسيس في الساعات الأولى من الليل مرتين ولكنه لم يفلح.

واجتمع المسؤولون عن عكة في تلك العشية التقرير المصير. وكان قد بدأ اليأس ينخر في قلب أحدهم الشيخ سليمان عبد الهادي مدير إيالة صيدا وحليف العزيز وابنه إبراهيم. فأشار في هذه الجلسة التاريخية إلى انهيار معنويات الجند من جراء تهديم الأسوار وإلى تزايد عدد المرضى والجرحى وصعوبة تأمين المواد الغذائية فاستحسن رأيه كل من محمود نامي بك محافظ بيروت قبل سقوطها وإسماعيل عاصم بك حكمدار حلب الذي كان قد تسلم قيادة الحامية بنفسه. أما الكولونل شولتر فإنه أشار بالصمود في وجه الإنكليز على الرغم مما جرى ورأى أن تستبدل المدافع المعطلة وأن يصار إلى حماية الفجوتين البريتين بالطرق الحربية العادية وأضاف قائلاً ليس أهون علينا من متابعة القتال ثلاثة أيام أخرى يعود الإنكليز بعدها من حيث أتوا فلا يرجعون إلينا إلا بعد انتهاء فصل الشتاء. فعمل المجلس برأي سليمان عبد الهادي وقرروا الجلاء بسرعة تحت جناح الظلام ففروا جماعات جماعات فتخطفهم القرويون وأعادوا نصفهم تقريباً إلى الإنكليز في اليوم التالي. وبين هؤلاء الأسرى محمود نامي بك نفسه. ولم يبق في عكة من الرجال المحاربين سوى قسم من المدفعين الذين قاموا بواجبهم حق قيام وما فتئوا حتى وصل الإنكليز إليهم في اليوم التالي1.

وبعد أن حاول الأميرال العثماني إنزال جواسيسه إلى عكة في مساء الثالث ومني بالفشل مرتين جاءه عند منتصف الليل نفسه من نقل خبر الجلاء السريع ورحب بالعثمانيين والإنكليز والنمساويين. وفي صباح الرابع نزل الأرشدوق فرديريـك النمساوي على رأس قوة نمساوية مؤلفة من ثمانين مقاتلاً وأسرع نحو برج الخزنة فاحتله ورفع العلم النمساوي فوقه وتبعه الأميرال العثماني السر بولدوين ووکر بثلاث مئة عثماني فغيره وغيرهم. وألقي القبض على الكولونيل شولتر جريحاً فنقل إلى إحدى السفن البريطانية. واستولى الحلفاء على خمس مئة وخمسين مدفعاً ومليونين ونصف المليون من الغروش كما ألقوا القبض على ثلاثة آلاف أسير2 وخسروا ضابطاً وسبعة عشر نفراً وتعطلت ثلاثة من مراكبهم.


  1. تاریخ محمد علي لبول مورييه ج ۱ ص ۳۳۸-٣٤١
  2. إنكلترة والقرم للدكتور هارولد تمبرلي ص ١٢٩ وتاريخ محمد علي لبول مورييه ج ٢ ص ٣٣٧ اطلب أيضاً تاريخ الأسطول المصري الأميرال ديرانفيل ج ٢ ص ٢٣٤-٢٣٦ وکتابنا الأصول ج ٥ ص ۲۲۰