نزول جنود الحلفاء: وكتب الأميرال الإنكليزي وزميله النمساوي إلى سليمان باشا يحتمان عليه تسليم بيروت لأن حكومتيها أمرتاهما باحتلالها وأنها يرجوانه ألا يضطرهما إلى إهراق الدماء وحددا له وقتاً قصيراً للغاية للإجابة ووعداه بشتى الوعود منها حاكمية بر الشام أو قبرص. وفي مساء الحادي عشر من أيلول أطلقا المدافع على بيروت وتظاهرا بإنزال العساكر في رأس بيروت. وقامت النقالات العثمانية إلى جونيـة فأنزلت عساكرها فيها بحماية البوارج فتصدى لها عساكر السكبان المقيمون في الزوق ولكن دون جدوى1. فقطع عساكر الحلفاء أشجار التوت وهدموا بيوتاً واعدين أصحابها بدفع قيمتها وركبوا المدافع حول المعسكر وأخرجوا الأسلحة والعلايف من مراكبهم ووضعوا بارجتين تجاه نهر الكلب لهدم مجاز العساكر المصرية.
وكان السرعسكر المصري إبراهيم باشا قد نثر قواته نثراً فأبقى معظمها على الحدود التركية ووزع بعضها في طول بر الشام وعرضها ولم يبق لبيروت وسواحلها سوى ستة آلاف مقاتل موزعين بين بيروت والتلال المشرفة عليها وجرد كسروان فوق جونية. وأراد السرعـسکر بادئ ذي بدء أن يهجم على من نزل في جونية ولكنه عاد فعدل عن ذلك ولعله خشي نار البوارج المحكمة وعدم ملائمة الأرض لمثل هذا الهجوم وقلة عدد رجاله وآثر انتظار فصل الشتاء وعدم تمكن البوارج من الاقتراب من الساحل2. وكان السرعسكر فيما يظهر واثقاً كل الثقة من أن اللبنانيين باتوا هادئين بعد فشلهم في حزيران وتموز وأن الدروز منهم أصبحوا في عداد الموالين بعد أن رفع عنهم مال الإعانة وما كان يفرضه عليهم الأمير الكبير من ضرائب خاصة. ولا عبرة لما جاء في كتاب بول مورييه في تاريخ محمد علي وما نقله عنه الدكتور محمد صبري والجنرال ويغان من أنه لم يقع في خلد السرعسكر أن هدف الحلفاء الأول إنما كان الاتصال باللبنانيين وإثارتهم عليه. فالسرعسكر يشير في رسالة حررها إلى سليمان باشا في الثالث والعشرين من أيلول إلى أن هدف الحلفاء هو إثارة اللبنانيين ولكنه يوافق رئيس أركانه في أن الأفضل هو أن يتابعا أعمـال نزع السلاح من اللبنانيين وأن يمنعا وصوله اليوم من جديد وأن ينتظرا فصل الشتاء قبل البدء بالهجوم3.