صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/91

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٢٠٥
الفصل الرابع عشر: الجلاء

ومضى يومان على نزول الحلفاء في جونية ولم يأت أحد من اللبنانيين إليهم فآثر الكومودور السر تشارلز نابير العودة بالعساكر إلى قبرص لتمضية فصل الشتاء فيها وتمرينهم على القتال. ولكن المستر ريتشارد وود أصرّ على البقاء وأشار بوجوب تسهيل وصول اللبنانيين إليهم وقام هو بثلاث مئة جندي من جونية إلى غزير معرضاً بنفسه غير مكترث بالجائزة التي وعد بها الشهابي الكبير لكل من يفوز برأس وود أو بأمر السرعسكر بقتله قتلاً. وما أن أتم عمله هذا وعاد إلى المعسكر في جونية حتى أقـدم الـكسروانيون عليه زرافات زرافات وبينهم أمير المقاطعة ابن أخي الشهابي الكبير الأمير عبدالله حسن الشهابي. فوزع وود الأسلحة وما فتئ حتى فرق أربعاً وثمانين ألف بندقية1. وقام محمد سليم باشا سرعسكر الدولة العليـة يطمئن الكسروانيين ويعلن باسم السلطان إعفاءهم من الضرائب ثلاث سنوات متتالية ويخول سرعسكر النصارى الشيخ فرنسيس الخازن «مضاربة الدوشمان القوم الخاسرين وبربهم كافرين وأن يغمد سيفه في أعناقهم ويجعلهم غنيمة له ولأعوانه». وعين لكل نفر من هؤلاء ماندة غرشين في كل يوم ووزع عليهم ماندة شهر مسبقاً وخصص لكل نفر منهم آقـة بقصمات في اليوم. وحضهم أن يكونوا مطيعين «لمتوليهم» الشيخ فرنسيس ثابتين متوشحين بدرع البسالة والشجاعة2. وكتب محمد عزت باشا بمثل هذا تقريباً إلى اللبنانيين في بلاد جبيل والبترون وجبـة بشري والزاوية والكورة مولياً أبا سمرا غانم البكاسيني قيادة الثورة في هذه المناطق موجباً الطاعة له3. وفي الثامن والعشرين من أيلول جعل محمد عزت باشا نفسه الشيخ صالح الخازن عقيداً على الثوار في بيت شباب وتوابعها موجباً الانقياد له والهجوم على المصريين كالأسد الكواسر4. وكان ريتشارد وود يعالج في الوقت نفسه ولاء الموارنة لفرنسة فرأى بثاقب نظره أن يستغل مناظرة قديمة بين النمسة وبين فرنسة حول حماية المؤمنين خارج أوروبة وأن يستغلها لصالح بلاده فدفع بوكلاء النمسة وممثليها إلى الميدان وأعاد للذاكرة كفر رجال الثورة الفرنسية وخروج مبادئها عن أسس الدين الحنيف. وعاد الأب إتيان رئيس الرهبنة العازارية من حيث أتى معترفاً بفشله5. وفي أول تشرين الأول كتب الأمير بشير قاسم الشهابي (الأمير بشير الثالث) إلى المستر


  1. تقريره - إنكلترة والقرم للدكتور هارولد تمبرلي ص ٤٨٣
  2. كتابنا الأصول ج٥ ص ١٨٤-١٨٥
  3. المرجع نفسه ج٥ ص ١٨٣-١٨٤
  4. الأصول كذلك ج ٥ ص ١٨٥ - ١٨٦
  5. كوشلة إلى نيير: مجموعة إدوار دريو مصر وأوروبة ج۳ ص ۳۹۰-۳۹۱