صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/70

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٨٤
بشير بين السلطان والعزيز

ارتكاب العصيان ووزعوا الأسلحة سراً دون أن يتظاهروا بشيء خوفاً منهم على ابن عمهم الشيخ نصيف الذي كان لا يزال في القاهرة مع ولده وأن المصلحة تقضي برمي القبض عليهم وإرسالهم إلى مصر»1. وأضاف إلى هؤلاء شيخاً خازنياً واحداً هو الشيخ نقولا وستة وأربعين عامياً أرسلوا إلى الإسكندرية في مركبين من ميناء عكة مقيدين أزواجاً2.

ونحن نرى أن الشهابي الكبير كان مخلصاً كل الإخلاص في موقفه هذا فإنه على الرغم من امتعاضه من سياسة الجانب المصري في بعض الأحيان كان لا يزال يؤثر الاستمرار في التعاون مع العزيز لما لمسه في شخصه من تجدد وتحرر ولما كان بين الإثنين من تعاهد وتعاقد ولما خشي أن يحل بلبنان من ظلم وإهمال وجور في حال رجوع الأتراك إليه. ودليلنا على هذا أنه رفض التعاون مع الباب العالي عندما عرضه عليه عميل السفارة البريطانية في الآستانة المستر ريتشارد وود عام ١٨٣٥، فقد قال هذا العميل في تقرير رفعه إلى رؤسائه أنه اتصل بالشهابي الكبير عملاً بأوامر السفير وأبان له ما يحدق به من خطر إن هو استمر في التعاون مع مصر وأنه وضَّح له الموقف الدولي وأرجحية إعادة بر الشام إلى السلطان وأن الأمير وعد بالتعاون مع السلطان إذا ضمن النصر له ولكنه أضاف أن بر الشام يصبح قاعاً صفصفاً قبل تمكن الأتراك من الاستيلاء عليه قال المستر وود هـذا وأضاف: «إني استنتجت من هذا الكلام الأخير أن بشيراً سيواظب على تعاونه مع إبراهيم نظراً لتأثير الفرنساويين عليه»3. وقال المسيو كوشله قنصل فرنسة العام في الإسكندرية في تقرير رفعه في الرابع عشر من تموز سنة ١٨٤٠ إلى المسيو تيير رئيس الوزارة الفرنسية ووزير الخارجية أن العزيز شديد الثقة بالأمير بشير وولائه وأنه قال إنه يعتمد عليه بقدر ما كان يعتمد على ابنه إبراهيم4. ويجب ألا يغيب عن البال أن بشيراً كان قد ذاق الأمرين في عهد الأتراك وقاسى ظلمهم وأن العزيز كان قد فرج الغم عنه مراراً وأوصى به تكراراً وهدَّد أخصامه وتوعدهم بالعقوبة واحترم استقلاله بعد الفتح وعزز مكانته وأن الأمير الشيخ كان قد ناهز الرابعة والسبعين حين تفتر الهمم وتصطك الركب ويضيق الأفق ويقصر الأمل.


  1. الأمير بشير الشهابي إلى محمد علي باشا – ۲۳ تموز سنة ١٨٤٠ - المحفوظات ج ٤ ص ٤٢٠ - ٤٢٢
  2. أخبار الأعيان للشيخ طنوس الشدياق ص ٦۰۱
  3. الملحق الأول لكتاب الدكتور هارولد تمبرلي إنكلترة والقرم ص ٤٨١
  4. مجموعة إدوار دريو: مصر وأوروبة ج٣ ص ۲۱