باشا بزيارة دامت ساعتين. وبعد ذلك كتب إليه كتخدا بك يخبره بقرب مجيء العزيز إلى القاهرة ويطلب إليه أن يعود إليها لمقابلته. ففعل وقابل العزيز في قصره في شبرا واختلى به ساعتين. وقص عليه ما جرى له مما أدى به إلى الالتجاء إليه. ومما قاله أنه كسر درویش باشا وأنه لو أراد لملك دمشق بيوم واحد وأنه كان بإمكانه أن يقاتل عساكر الوزيرين مصطفى باشا ودرويش باشا معاً وأن ينتصر عليها ولكنه أبى ذلك امتثالاً لأوامر الدولة. فسُرَّ العزيز به وقال له: هكذا تكون أصحاب المروة. ثم أضاف: إني ما طلبت من الحق طلبة إلا واستجاب دعائي وقد طلبت أن أراك فسبحانه تعالى ما حرمني ذلك ثم قال: إن مصلحتي تمت وإن شاء الله قريباً تتم مصلحتك وأصر عليه أن يراه كل يوم. ثم قبّل الأمير الأتك وعاد إلى مقره في أثر النبي. وفي اليوم التالي زاره العزيز في أثر النبي وتناول الطعام عنده. ويوم الجمعة دخل الأمير على العزيز في ديوانه في القلعة وحوله أعيان مصر. فأكرمه العزيز وقال لقاضي القاهرة: هل عرفت هذا الرجل؟ فطلب العفو وألقى السلام. فقال العزيز: هذا كبير عشائر جبل لبنان وهو يحكم على مئة ألف مقاتل. وكان بإمكانه أن يحارب الوزيرين اللذين يحاصران عكة ولكنه أبى أن يخالف أوامر الدولة، وبقي الأمير يتردد على العزيز طوال إقامته في القاهرة كل يوم مرة، وما زال في القاهرة حتى عفا الباب العالي عن عبدالله باشا وأبقاه في منصبه كما كان. ولدى وصول العفو استدعى العزيز الأمير وقال له: لقد صرت عندي بمعزة إبني إبراهيم وإني لم أقم بهذه المراجعات إلا لأجلك أنت فقط ثم أمره أن يكون على أهبة السفر وأن ينقل السفر إلى عكة بنفسه وأن يتعاون وعبدالله باشا لإرضاء الباب العالي بدفع المال المتوجب على هذا الأخير ففعل كما سنرى1.
ومنذ ذلك الحين بقي الشهابي الكبير على صلة وثيقة مع العزيز يتفهم سياسته ويسعى ما أمكنه لمعاونته. ففي أواخر تشرين الأول من السنة ١٨٢٣ نرى الأمير منهمكاً في استخراج الفحم الحجري من قرنايل لبنان وفي إنزاله إلى ميناء جونية لتصديره إلى مصر سداً لحاجات العزيز2. وفي أواسط آذار من السنة التالية ١٨٢٤ نرى العزيز يخبر عبدالله باشا بأنه كان قد وجه سؤالاً إلى الأمير بشير قبل خروجه من مصر وعودته إلى بر الشام يستوضع فيه عدد الجنود الذين يتمكن الأمير من جمعهم وإرسالهم إذا اقتضى الأمر وإن الأمير أجابه بأنه عند اقتضاء الحال يقدم عشرة آلاف رجل بقيادة ابنه الأكبر - يقول هذا