صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/21

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٥
الفصل الأول: لبنان

وكان نديمه وشاعره المعلم نقولا الترك على صلة وثيقة بمصر. فإنه زارهـا سنة ١٧٩٩ ومكث فيها مدة ثم عاد إلى لبنان. وما أن دخلها نابوليون بعساكره حتى عهد الشهابي إلى نديمه أن يعود إليها للمراقبة ففعل وجعل مقره في القاهرة أولاً ثم في دمياط. وكان يدون كل ما يتصل به من أخبار الجيوش وحركاتها وعددها وعُددها ويرسل خلاصة ذلك إلى الأمير1. وقبل أن يعود «المعلم» إلى لبنان ثانية أسس في مصر علاقات طيبة في أوساط «الشوام» وأكثرهم تجار وكتاب دواوين فبقي على معرفة في شؤون القطر الشقيق وعلى بصيرة في قدر إمكانياته الحربية والاقتصادية والسياسية. وكان يميل إلى محمد علي الكبير ويقدره حق قدره2. ومن هنا في الأرجح ميل الأمير الشهابي للعزيز واستعداده للجوء إليه والاعتماد عليه. وبعد أن وطد العزيز حكمه وأظهر بأسه ورجولته وأصلح ما أصلح أصبح التفاهم بين الرجلين محتماً. ولعل بعض الفضل في هذا يعود إلى فرنسة صديقة الاثنين معاً وإلى الفاتيكان الذي رأى من الاثنين في معاملة النصارى في الشرق ما لم يره من غيرهما من قبل.

والغريب المستغرب ألا يكونا قد اتصلا ببعضها قبل السنـة ١٨٢٢ فليس بين أوراقها المختلفة أي أثر لاتصال مباشر أو غير مباشر قبل هذا التاريخ. وليس في ما نشر من تقارير قناصل الدول ما يدل على ذلك. وقل الأمر نفسه عن النصوص التاريخية التي تعود إلى ذلك العهد. وفي السنة ١٨٢١ وقعت الواقعة بين درويش باشا والي دمشق وبين عبدالله باشا والي صيدا لأسباب نعود إليها فيما بعد. ووقف الشهابي الكبير إلى جانب عبد الله باشا فأيد أخصامه في لبنان درويش باشا. واشتد الخصام فاضطر الشهابي الكبير أن يلتجئ إلى والي مصر محمد علي الكبير وكتب له بذلك، ولدى ورود الجواب بالقبول في صيف السنة ١٨٢٢ أحضر الأمير مركباً إفرنسياً كان راسياً في ميناء بيروت إلى الدامور ونزل إليه مع أتباعه وولديه خليل وأمين، وبعد خمسة أيام وصل الأمير وحاشيته إلى دمياط فبولاق وأقام فيها. واستقبله في بولاق المعلم حنا بحري باسم كتخدا بك. وعند الغروب عاد إليه وسار أمامه إلى قصر الخزندار في الروضة حيث اجتمع بكتخدا بك ثلاث ساعات وشرح له ما وقع في بر الشام فطمأنه وطيب قلبه. وفي اليوم التالي زار الأمير إبراهيم باشا ابن العزيز فأكرمه وجبر خاطره. ثم جاء المعلم حنا وأفهمه أن العزيز أمر بقيامه إلى بني سويف فذهب إليها وأقام في الفشن. وبقي فيها سبعين يوماً. ثم عاد إلى بني سويف نفسها فخصه إبراهيم


  1. المعلم نقولا الترك لفؤاد افرام البستاني: الديوان المشار إليه آنفاً ص ب - ج
  2. لبنان في عهد الأمراء الشهابیین ج ۲ ص ٣٥٠ - ٣٨٥