صفحة:المدينة المسحورة (1946) - سيد قطب.pdf/9

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
٧

ومهما بلغوا من الإخلاص ومن الخبرة بشئون التربية والتقويم، فإن إشراف الأم لا يعدله إشراف، و إدراك الأم لحاجات طفلها وضروراته قائم على حاسة خفية في نفسها لا تتوافر لأي إنسان، وإن الطفل ليجد عندها بحسه الفطري ما لا يجد عند سواها

كائنا من كان... فإذا أذن الملك فسأكون منذ الليلة القادمة في جناحي الخاص. »

وما كان الملك في حاجة إلى كل هذا البيان، ولكنه ارتاح إليه ارتياحا شديدا. فلقد كان في حيرة : كيف يستطيع أن يشير على شهرزاد بالصوت منذ الليلة القادمة، وكيف يشير عليها أن تجنح إلى جناحها الخاص منذ الغد، بعد ما استمع إليها ألف ليلة وليلة في شغف وإقبال في أول الأمر، وفي تراخ يتزايد في أخريات الليالي!

لقد كان يعز عليه أن يجرح كبرياءها، وأن يجابهها بالملل والنهور بعد ما استلن أحاديثها ثلاثة أعوام، وخرج بهذه الأحاديث من حال إلى حال، واستحال من سقاك متعطش للدماء إلى إنسان وديع هادئ الطباع. ولم يكن الذنب ذنب شهر زاد في ملله الأحاديث، فهي لم تقصر في انتقائها وتصفيتها، ولكنه ذنب النفس الإنسانية التي تسأم تشابه الأحوال.