صفحة:المدينة المسحورة (1946) - سيد قطب.pdf/8

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ثمة مشكلة عند تصحيح هذه الصفحة.
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

٦

عودة شهرزاد

... فلما كانت الليلة المائة بعد الألف أرق الملك شهريار أرقاً طويلاً تجاوز بـه منتصف الليل، وأوفى به على الهزيع الأخير. وضاق صدره بهذا الأرق الذي لايجد منه مهرباً، ولا يعرف له نهاية.

ولم تكن هذه هي الليلة الأولى التي يأرق فيها الملك، ويـضيق صـدره بالليـل والأرق فمنذ ثلاث ليال لم يذق النعاس إلا غراراً، ولم يزره النوم إلا في مطلع الفجر، بعد ينهكه السهر، فيمهد ويسترخي وينام.

لقد مرت تسع وتسعون ليلة منذ أن سمع من شهر زاد آخر أقاصيصها، ومنذ أن أحس أنه قد مل هذه الأقاصيص التي عاش فيها ألف ليلة وليلة في جو مسحور، يهيم فيها خياله مع المردة والشياطين، وتسبح فيها نفسه مع السواحر والجنّان، وتتعلق فيها أنفاسه بمصائر العشاق والعاشقات، ولا يكاد يهبط إلى الأرض حتى يحلق في السماء، ولا يكاد حسه يستقر حتى يضطرب من جديد ! لقد أحس أن شهرزاد قد تجاوزت به المدى في هذه الحياة الخيالية، وبعدت به طويلا عن الحياة الحقيقية، وأحس بشوق إلى الحياة في الأرض، والعودة إلى الواقع. كان قد عاش طويلا في الأحلام مغمض العينين، يسبح مع شهرزاد الساحرة في عالم الأوهام، فأراد أن يفتح عينيه، ويرى الأشياء كما تبدو للأيقاظ في وضح النهار.

وما كادت شهرزاد تختم قصتها الأخيرة في الليلة الواحدة بعد الألف حتى شعرت أن الملك قد سئم، وأنه لن يستمع إليها من جديد، فإ تنتظر حتى يشير عليها بالصمت، أو يهرب من جناح القصر الذي فيه يجتمعان. فقالت في نهاية القصة الأخيرة : « والآن يا مولاي أحسبني في حال من استئذان الملك في أن أعفيه ولو لبضع ليال من هذه الأحاديث الطوال، وأن أنصرف بعض الشيء إلى أطفالنا الثلاثة، فأنظر في الإشراف على نشأتهم لينشأوا لائقين بوالدهم العظيم. فأنا يا مولاي لا أستطيع أن أعتمد إلى ما شاء الله على إشراف المربيات ورجال الحاشية، مهما بلغن