صفحة:المدينة المسحورة (1946) - سيد قطب.pdf/11

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
٩

وذهنه بعيداً عن العالم المسحور الذي خلقته شهر زاد.

ولكنه يدرك الآن : كم يفقد الإنسان حينها يفقد الأحلام !

إن هذا العالم ضيق ضيق، تافه تانه، صغير صغير. إن ماتبلغه الحواس لهو أمد قصير ، وإن ما يبلغه الوعى لهو أفق قريب. و إن الخيال والأحلام ليبلغان بهذا المخلوق الإنساني المحدود أبعد الآماد وأوسع الحدود.

ألا ما أشقى الإنسان الذي لا يملك من هذا العالم إلا ما تبصره عيناه !

لقد جالت هذه الخواطر في نفس الملك منذ ليال ، فأحس عندها بالشوق إلى شهر زاد ، وبالحنين إلى أحاديثها الحلوة الشهية التي كانت تطير به من عالم إلى عالم ، وتتجاوز به الحدود والقيود ، وتطلقه من جميع الحواجز ، وتمزج له الواقع بالخيال ، وتجمع بين الأرض والسماء ، والبر والبحر ، والأطباق والأجواء ، والإنس والجن ، والأموات والأحياء.

أحس بهذا كله منذ ليال، وأحس باللهفة إلى لقاء شهر زاد وراودته نفسه أن يتسلل إلى جناحها الخاص في غفلة من الرقباء والحراس، ولكن كبرياءه صدته ليلة بعد ليلة أن يذهب إلى شهر زاد !