صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/96

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

٢ – غاية النــــــوع - اذا كانت للتاريخ الانساني وجهة فهي وجهة أبدية تحيط بالزمن كله غير مقصورة على الانسان منذ ابتداء تاريخه ولا قبل ابتداء ذلك التاريخ. ومثل هذه الوجهة لا ندركها من الالمام بنقطة واحدة في مجرى الزمن، ما هي ولا نستطيع أن نحيط بها الى نهاية الزمن ، ان كانت له نهاية . ان نقطة واحدة من الزمن كنقطة واحدة المكان ، لا تدل على شيء في ذاتها ولا تدل على ما حولها ، وقد تبدو لنا كأنها بقعة مهملة أو وصمة تستحق أن تزال ، كما تبدو النقطة الصغيرة في الصورة الكبيرة ، - لو زحزحنا عنها الغطاء قليلا من قبلها ومن بعدها -- ترينا من الصورة عينا ناظرة في وجه کائن ندرك وجوده ، وان كنا لا نراه . أما غاية الزمن كله ولا سيما الغاية الأبدية – فنحن لا نحيط بها وان تكشفت لنا بجميع أسرارها ، لأننا في مداركنا المحدودة - لا نحيط بوجود أبدى غير محدود ، ولن ترى من الغاية القصوى الا ما اقترب منا ووافق أبصارنا وبصائرنا ، ولن نراه على حقيقته الكاملة الواقية ، بل قصارانا من الجهد أن نراه كما يتمثل لنا رموزا مترجمة عن حی الحقيقة ، كما تترجم هزات الأثير والهواء بالألوان والأصداء . انما ندرك وجهة التاريخ يفترة منه بين النقطة الحاضرة والغاية الأبدية : ندركها بشوط من أشواطه الطويلة يبتدىء وينتهى على علم منا ، وله بين بدايته ونهايته مسيرة مطروقة تعرف منها معالمهـا ومراحلها ، ونعرف من تلك المعالم والمراحل : هل هي وجهة متتابعة أو شتات من الخطى في كل اتجاه ، والى غير اتجاه ? -