صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/89

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

من فالمصادفة عند بعضهم مرادفة لمعنى الفوضى والخبط في الظلام . تهدم اليوم ما تبنيه وتبنى ما تهدمه ، وتتقدم وتتأخر في العمل الواحد وفى الساعة الواحدة ، وتتصرف في عموم حركاتها وأفعالها كأنها مئات الأضداد يجذب كل منها الى ناحيته ولا يستطيع أحد أن يعلم أنه يجذب في الناحية الواحدة مرتين ، ومن ادعى ذلك فلا حاجة الى تفنيد قوله بالبحث الطويل وراء حوادث الماضي والحاضر ، فان ظواهر اللحظة الواحدة كافية لتفنيد ما يدعيه ، وان فهمه للمصادفة حتى على هذا الوجه لا يتأتى بغير وجود النظام الذي ينبغي أن تقاس اليه مصادفات الفوضى والخبط في الظلام ، ولا بد من بعض النور لنعلم كيف يكون ذلك الخبط في الظلام والمصادفة عند غير هؤلاء لا تنقض النظام ولكنها قد تصاحبه وتتهمه وقد تلازمه في حالات وتفارقه في حالات ، وعلى هذا النحو تفهم المصادقة في مذهب الفيلسوف الكبير شارل بيرس Charles Perce رائد اليرجمية المشهور ، فانه لا المصادفة كأنها الضد المناقض للقوانين الطبيعية ، بل يفهم منها أنها قوانين في انتظار التكوين ، وان قوانين الكون لم تتم جميعا في لحظة واحدة ولم تكن هكذا كما نعهدها الآن في كل زمن وكل العادة ظاهرة طبيعية ، ولكن القوانين الكونية أخذت في جريانها مجرى على درجات وأدوار متعاقبة ، ومن الجائز أن يشمل القانون الواحد كل ظاهرة من ظواهره في الكائنات المادية ولا يشمل جميع الظواهر فيما يتعلق بالحياة ، ومن أمثلة ذلك عنده أن قانون الحركة المكنية التي تطرد وتنعكس لا ينطبق على حركة النمو في النبات أو الحيوان ، وأن الحقائق التي تستخرج من حرا كات الأجسام في الجملة لا يلزم أن تطابق حركات أجزائها ، أو جزئياتها الدقيقة كل المطابقة . ۸۵