صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/73

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

يمضى ولا يقبل ، وان التنازع على البقاء خليق أن يعود بالعالم الى معاركه العنيفة كان العالم المعمور يضيق بساكنيه ويضن عليهم بالكفاف الذي يكفيهم جميعا فيتقاتلون أو يدفع بعضهم بعضا الى الهجرة والابتعاد ، وسيأتي اليوم الذي تضيق فيه موارد العالم عن سكانه ولا يسعهم يومئذ أن يعتصموا بالهجرة لامتلائه بالسكان وضيق منادح الخلاء في جميع بقاعه ، الا أن يقع ما ليس في الحسبان من أمر الأرزاق والسكان . ويرى العلامة حفيد صاحب النشوء والتطور أن الناس يتغيرون ويتطورون مع الحضارة ولكن الانسان في دخيلته لا يلوح عليه أنه استراح الى التطور الذي جاءه من قبل الحضارات المتوالية ، لأنه يكن في طواياه بقايا الأزمنة المتطاولة التي سبقت تلك الحضارات ، ويستريح الى معاودتها كلما وجد بين يديه منفسا للمعاودة ، وقد ينكشف منـه الحنين الى الماضي في كثير من عادات الجد واللعب التي تشملها أعماله السلمية ، كأنها البديل الحاضر عن سوابقه في العراك والنزاع . ولا ينسى داروين الحفيد أن الانسان يتعلم وانه أقدر الحيوانات العليا على التعلم والاستفادة من التجارب المتعاقبة ، والفرق بينه وبين أنواع الحيوان في هذه الخصلة عظيم لا مثيل له في الفوارق المتعددة بين نوع منها ونوع آخر . الا أن الحيوان يورث أبناءه تجاربه الطويلة لأنها تتمثل في الغريزة التي تنتقل في لبابها بالوراثة ، وليس علم الانسان المكتسب بالعلم الموروث أو القابل للتوريث . وهناك وراثة تكاد أن تكون خاصـة بالانسان تعوض النقص في وراثته لمعارف آبائه وأجداده ، وتلك هي وراثة العقائد من طريق الجماعة التي يولد فيها ، فلا يولد الانسان بعقيدته العامة ولا يخلقها لنفسه ولكنه ۶۹