صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/69

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

يلاحظوا هذا ويصـلوا منـه الى زيادة حصـة الحيـوان من ذلك الغذاء . ولكنهم اذا جاوزوا ذلك فقالوا ان عاطفة الأمومة هي مقدار معلوم من المنجنيز فهم مخطئون ، وخطؤهم في هذا الرأي كخطأ القائل : ان نغمات الموسيقى أخشاب وأوتار ، وان نقص الغذاء لينقص حركة الجسم وحركة الدوافع الحية ، ولكن مادة الغذاء وعاطفة الحياة شيئان مختلفان ، ومن الواجب أن نعرف تركيب الجسم وتركيب كل مادة فيه ، ولكننا لن نعرف الشخصية الانسانية من معرفة هذا التركيب . لأن هذه الشخصية الانسانية تكوين عجيب يعجزنا الآن أن تسبر أغواره ، ولكننا قد نلمحها لمحا اذا لاحظنا الفوارق التي لا نهاية لها بين انسان و انسان ، أو بين شخصية وشخصية . فلكل انسان صوته ، ولكل انسان ملامحه . و ولكل انسان خطوط أصابعه ، ولكل انسان كتابة لا يكتبها غيره ، ولكل انسان تركيبه في فصيلة الدم وخلايا البروتين ، ولكل انسان قابلیته للصحة والمرض والمقاومة والاصابة ... وهذا كله في المحسوسات التي ندركها بأيسر نظرة ، أما الخفايا فمنها ما يجهله الانسان نفسه في وعيه الباطن أو في وعيه الذي لا يتضح للشعور ، ونعلم أن أدواتنا العلمية لا تمكننا من كشف هذه الخفايا اذا علمنا أنها تكمن كلها في الخلية التي يولد منها الانسان ، ، وأن الناسلات التي يولد منها النوع الانساني يمكن أن توضع في فنجان . وسيقى الانسان محجوبا عن نفسه ما دام محجوبا عن أعماق هذه الشخصية وما دام منصرفا عن جانب الضمير منها ، أو ما دام متجها الى الخلط بين مادة جسمه وبين العوامل الحية التي ترتبط بتلك المادة ، لأن ألحان الموسيقى لا توضع ولا تفهـم ولا تتذوق بمعرفة الأخشاب والأوتار . كلا ، ولا بمعرفة العلامات والاشارات التي تضبط بها الألحان والنغمات ، وهنا ينبغي أن نسأل : م - 5 القرن العشرون و"