صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/227

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

أن تلعب بغير قاعدة مرعية عند الطرفين ويجوز للاعب أن يتحرك فيها بغير ضابط معلوم ولا خطة مقررة . فلا قوام للفن بغير القاعدة . ولكنه قد يقوم على أحسنه مع زوال القيود التي يحده بها العرف ويتناولها التغيير والتبديل في كل جيل .

ولم يمض على ظهور البدع الفنية – بدع الفوضى والاباحة – بضع سنوات بعد الفترة بين الحربين حتى أمكن التمييز بينها وبين الفنون المعبرة بوحى الالهام والبداهة الصادقة . فمن البدع الزائلة كل دعوة تنم عن المرض النفساني كما تنم عليه أعراضه وأماراته ، ومن الفنون الصادقة كل فن يعبر عن المرض وهو غير مريض ، وينفس عنه وليس هو بضحية من ضحاياه ، ولكل منها علاقة بالدراسات النفسية غير علاقة الآخر بها . فان البدع لا تستفيد من الدراسات النفسية ولا تتعلم شيئا منها ، ومثلها في علاقتها بحقائق علم النفس مثل المريض في علاقته بالطب الذي لا يعرفه . وعلى خلاف ذلك يكون الفن الصادق في علاقتـه بالدراسات النفسية ، فانه يستفيد من العلم بها ويصحح بها أخطاء الحس والرأي والشعور ، ويعتمدها في نقد أعمال الأقدمين وتوجيه أعمال المحدثين .

***

منذ أواخر القرن الماضي بدأت مشاركة العلم في نقد تاريخ الفنون ولا سيما فنون التصوير والنحت والمخطوطات الكتابية . فتمكن علماء التاريخ والكيمياء من تحقيق أوقات التحف الفنية وتصحيح نسبتها الى أصحابها وعهودها ، اما بالمقابلة التاريخية بين الأساليب والتوقيعات وأنواع الورق والمداد ، أو بالفحص الكيمي عن التفاعل بين الأصباغ والأنسجة وبين عوارض الجو والتربة ، وكانت لهذه المساهمة العلمية


۲۲۳