صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/226

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

العشرين فليس من المحتم أن يرجع ذلك الى ندرة الأزمات النفسية فيما مضى وكثرتها فيما حضر ، بل يجوز أن كثرة الحديث عنها انما ظهرت مع ظهور العلوم النفسية تبعا لتقدم العلوم في جملتها ، وانها وجدت متسعا من ميادين النشر وحرية التصريح بالآراء في الزمن الأخير لم تجده في أول عهدها بالظهور قبل بضعة أجيال ، وقد مضى الآن على ابتداء اللهج بالعلل النفسية أكثر من جيل كامل وضحت فيه مصادر هذا اللهج الطاريء من أعمال الفنانين وأعمال أدعياء الفنون ، فلم يعسر على نقادهم أن يميزوا بين سمينهم وغثهم وبين الجد والهزل في أعمالهم وأقوالهم ، فهم بين طائفتين تتميزان جدا بعد هذه السنين التي عرضت لنا من ثمراتهم ما يكفى لمعرفتهم : طائفة جادة في شعورها وتعبيرها تصور لنا دخائل النفوس وعللها كما يصورها الفنان الملهم في كل آونة ، وطائفة مصطنعة متكلفة تعرض لنا فنا مصطنعا متكلفا هو نفسه عرض من أعراض الأمراض النفسية . والفرق بين الطائفتين هو الفرق بين المعبر عن المرض وبين المصاب بالمرض الذي نفهم مرضه من حالته ولا نفهمه من مبتكراته وأقاويله ، ولا يشق على نقاد الفن أن يدلونا على الآية التي تميز كلا من الطائفتين تمييزا يدفع اللبس والاشتباه. فكل نتاج فنى يلغى القواعد وينطلق مع الفوضى وبدعة موقوتة لا الا ريثما تنسخها بدعة من قبيلها ، وكل نتاج تدوم فنى يقوم على قاعدة مفهومة فهو تعبير صحيح وان جاءت هذه القاعدة على نسق جديد يخالف ما اطردت عليه فنون الأقدمين . ولابد من التفرقة بين القواعد والقيود في الأعمال الفنية على اختلافها ، فإن القواعد هي قوام الفن الذي لا ينفصل عنه ولا يمكن أن يخلو منه بحال . وما عرف الناس لعبة من لعب الكبار والصغار – فضلا عن الفنون العليا – يمكن فهو ظاهرة مرضية ۲۲۲ . .