كان مبعث هذه الدعوة أن أصحابها أرادوا أن يميزوا أنفسهم على غيرهم من الكتاب والشعراء بالتزام الأمانة العلمية في وصف أحوال الناس والتعبير عن عواطفهم وعلاقاتهم الاجتماعية ، وقالوا ان الكاتب ينبغى أن يتجرد من أهوائه وآرائه عند الكتابة كما يفعل العالم عند دراسة الظواهر الطبيعية ، وان تعبيره عن الحقائق الاجتماعية والنفسية ينبغى أن يصاغ في قالب كقالب التعبير العلمي أو قالب المسائل الرياضية .
ومن الحسن ولا شك أن يلتزم الكاتب أمانة العلم اذا كان المقصود بهذه الأمانة أن يتجنب الزخرف الكاذب والأباطيل الخرافية . ولكنه لا يكون أمينا بمعنى الأمانة العلمية ولا الفنية اذا عبر عن نفسه تعبيرا آليا يتجرد من الملامح الشخصية ، ، لأن الفن كله قائم على وجهة نظر الفنان وملكاته الشخصية التي لا تتشابه بين كاتب وكاتب ولا بين شاعر وشاعر ولا بين مصور ومصور ، ولا تأتي مقرراتها متشابهة أبدا كما تتشابه مقررات العلماء ، ولهذا كانت الصورة اليدوية مفضلة على الصورة الشمسية بالغة ما بلغت هذه من الصدق والاتقان . ولو كان المقصود بالأمانة العلمية مطابقة الصورة لأصولها المحسوسة لكانت الصورة الشمسية أرفع شأنا من كل صورة تبدعها ريشة الفنان الصناع . ولكن الأمانة العلمية في الفنون شيء غير الأمانة الآلية ، لأن العلم يقول لنا ان الآلة غير الانسان ، فلا يجوز لنا أن ننتظر باسم العلم - تصويرا انسانيا يشبه صناعة الآلات ، ولا تتحقق أمانة العلم وأمانة الفن معا بغير هذا الاختلاف ، بل يصدق هذا على الفرق بين الصورة الشمسية الممتازة والصورة الشمسية المجردة من المزية . فاننا اذا أعجبتنا صورة شمسية بارعة لمسنا على الأثر براعة المصور الذي التقطها في اختيار الموقع واختيار الوجهة واختيار الألوان والظلال واختيار اللمحات
۲۱۸