انتقل إلى المحتوى

صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/205

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

أما ثورة المحرومين فليست من لوازم الصناعة الكبرى وليست هي بالطور الأخير المحتوم الذي تنتهى اليه هذه الصناعة ، وانما تحدث هذه الثورة في عهد الصناعة قبل اتساعها واستقرارها كما حدثت قبل عصور الصناعة في التواريخ الغابرة ، ولابد أن تحدث مع الظلم والتفاوت كلما تهيأت لها بواعثها ومشجعاتها ، ومنها – بل في مقدمتها على الدوام – أن تضعف هيئة الحكم القائم وأن يتيسر للمحرومين أن يتألبوا في مكان واحد ، اما في حالة كحالة الجند المنهزمين ، واما في حالة كحالة العمال والزراع المحشودين في جوار واحد بين المناجم والحقول .

حدثت أشباه هذه الثورات بعد زوال الدولة القديمة في مصر قبل أربعة آلاف سنة ، فشوهدت فيها جميع أعراض الثورات التي يربطها بعضهم بصناعة القرن العشرين ويحسبها الطور الأخير من أطوار تاريخ الانسان الى نهاية الزمان ، فجاء في محفوظات البردي التي تخلفت لنا من عهود الأسرات المالكة بعد السادسة أن العامة شكوا في الدين وأضربوا عن الشعائر والقرابين ، وان أحدهم كان يقال له : تقرب الى الاله المعبود فيقول : لو عرفت مكانه لحملت اليه قربانه ، وان أواصر الأسرة قد انحلت فاستباح الأخ قتل أخيه واجترأ الولد على حرمات أمه وأبيه ، وان الزواج بطلت قداسته واستبيحت أعراض المصونات من كرائم البيوتات ، وان التي كانت تنظر وجهها في الماء أصبحت تقتنى المرآة والحلية المنتقاة ، وان أصحاب السمت والوقار خلعوا ستهم ووقارهم وتزلفوا الى الخدم وشذاذ الآفاق ، وان الضياع هجرت والقصور دمرت ، واستولى من استطاع على ما استطاع كما سولت له المآرب والأطماع .. وحدث هذا كله بعد حقبة جارت فيها علية القوم على سفلتهم وانحصرت فيها الثروة بين أمرائهم وسرواتهم ، وتوالت فيها

- ۲۰۱ -